طلال سلمان

حكم هو مسوول عن خوفة

الدنيا عيد، والعطلة تغري بالتأمل و»الفرجة« على الأخبار من »خارجها« وليس من داخل الاحتراف المهني، خصوصù وقد تزامنت فتزاحمت مجموعة من »الأحداث« المثيرة اكثر من اي مسلسل مكسيكي والمسلية أكثر من فوازير رمضان!
من بيروت الى باريس وبالعكس، ومن بيروت الى الشريط الحدودي وبالعكس،
من بغداد الى عمان وبالعكس، من الرياض الى مكة المكرمة وبالعكس، من دوحة قطر الى قطر الدوحة وبالعكس، من منامة البحرين الى بحرين المنامة وبالعكس،
هذا من دون ان ننسى الزفة الانتخابية داخل الكيان الصهيوني والتي تذهب من تل ابيب الى القدس المحتلة وبالعكس، ومن شمعون بيريز الى بنيامين نتنياهو وبالعكس، ومن غزة عرفات الى سلطة الاحتلال وبالعكس، محوّلة العرب الى »اصوات« في صناديق اسرائيلية، الأقدر على الإفادة منها هو الأشد عداءً للعرب وحقوقهم في ارضهم…
وقائع تجري خارج دائرة العقل، وتصرفات لا يمكن ضبط سياقها بأي منطق، وردود أفعال لا تتسق مع طبيعة الافعال، والنتائج معميات وألغاز توحي بأن هذه الاوضاع القائمة غير سليمة ولا يمكن ان يُبنى عليها او تُعتمد كقاعدة لمستقبل آمن وثابت.
} صراع غامض بين الاشقاء في مملكة الصمت التي وحدها سيف الأب المؤسس، تجيء »الجلطة« وتذهب فتأخذ ملكù الى النقاهة في العزلة، ثم ترده لتعيد ولي عهده الى البطالة، والسؤال معلق حول »الجلطة« التالية ومن تأخذ ومن تعيد وهل تكون مؤهلة لاستيلاد ملك جديد، ام تبلغ حدود تغيير اعمق يتجاوز الأمراء الألدّاء الى نظام جديد؟!
} صراع اغرب وأمرّ في الدوحة: الأب المخلوع يستعين على ابنه بمرتزقة من فرنسا وميليشيا طائفية متبطلة من لبنان! يدور وفي يده مفتاح الثروة، فيستقبله كل الذين يتخوفون من السياسة المغامرة التي دفعت بولي عهده لأن يستعجل عهده… وليس بين الاعتراض على الخليفة الوريث سبب جوهري، برغم توفر الأسباب: فلا الاندفاعة المتهورة في اتجاه اسرائيل موضع مساءلة، ولا فتح الباب لعلاقة متوازنة مع ايران موضع حساب، ولا »الاعتراف« بوجود العراق مدعاة للوم، مع التذكير بأن احدù منهم لم يناقشه في موضوع خلع ابيه المتجهم دائمù… أما اذا كان الأب مستعدù »لتأديب« ابنه فالكل مستعد لأن يعيره عصاه!
} وفي بغداد صدام حسين تستعاد فصول من الكتب القديمة عن مؤامرات البلاط ودسائس اجنحة الحريم على السلاطين بمشاركة الخصيان والغلمان وقواد الحرس: يهرب الصهران بالابنتين الى حماية الملك الشريك، فتفتح المملكة التي تعيش على خط النقل الى العراق ومغامرات حاكمه ابوابها لكل خصوم السلطان ومعارضيه الكثر، حتى اذا انفتحت امام الملك الضليل آبار النفط في الجزيرة والخليج، فتح صدام باب التوبة فعاد الصهران بالابنتين الى كنف العم الأب الرحوم كما في حكايا الغول والعنقاء والخل الوفي او في مسرحيات اللامعقول و»يا طالع الشجرة هات لي معك بقرة، تحلب وتسقيني بالملعقة الصيني…«.
} وفي المنامة يتحرك المضطهدون والمساكين المحرومون من الرزق ومن المشاركة في السلطة، فإذا كل سلاطين النفط الذين يحتكرون السلطة والمال والسلاح، مثل امير البحرين، يقفون معه وقفة رجل واحد، ويوجهون الى الانتفاضة نار الطائفية، ويلصقون التهمة بإيران، لتخويف رعاياهم الذين يتحرقون شوقù الى مثل ما تطالب به الطليعة البحرينية المتقدمة والشجاعة، وإن عجزوا عن التحرك مثلهم لأسباب ذاتية او موضوعية او لهذه وتلك معاً،
يتهاوى مجلس التعاون الخليجي، وتتبادل الأسر الحاكمة التباغض والتحاقد والتحاسد، لكنها في لحظة الخطر تتماسك، لعلمها بأن الانهيار قد يبدأ في المنامة لكنه سيمتد حتى آخر بئر نفطي يتكدس من حوله الفقراء في انتظار صدقات »طويل العمر« بينما حقوقهم في خيرات ارضهم مصادرة تمامù مثل حقوقهم كبشر في السلطة اي في شؤون حياتهم اليوم وغدù..
* * *
حيث لا مجال للرأي، ولا اعتراف بالشعب إلا كرعية اي كغنمة عمياء، وحيث يُقمع الاعتراض ويُمنع الاحتجاج وتكمّ الأفواه، وتقفل القصور على اصحابها ليقرروا في الليل وفي غيبة الناس المصائر والحظوظ، كيف السبيل الى معرفة حقيقة ما يجري وطبيعة الصراع الدائر بين المتآمرين بعضهم ضد بعض والمتواطئين جميعù ضد شعوبهم المغلوبة على امرها؟!
أما في بيروت فالأمر مختلف، وإن كان علاجه يحمل بعض السمات »الخليجية« الخطرة!
في بيروت حكم ومعارضات متعددة الاتجاهات والأغراض والمصالح والولاءات.
ولأن النظام ديموقراطي، نظرياً، فلا بأس في وجود معارضة او معارضات، بل ان وجودها علة وجود وشرط حياة للنظام.
لكن ثمة اخطارù تحدق بهذا النظام، بعضها يصدر عن تصرفات الحكم، والبعض الآخر تحمله النزعة الانتحارية عند بعض المعارضات، او التواطؤ المعلن لبعضها مع العدو الاسرائيلي بذريعة الاستقواء بالاحتلال لمقاومة الخلل في تطبيق الطائف، او لتصحيح المعادلة الطائفية في قلب السلطة.
أبشع خطأ يرتكبه الحكم حين يضع المعارضات جميعù في سلة واحدة، موحدù بين الانقلابيين المعادين للنظام والدولة، وبين المعترضين على قصور الحكومة في معالجة الضائقة الاقتصادية والأزمات الاجتماعية التي تستولدها في ظل خواء سياسي مخيف.
إن المساواة بين محتج على انعدام فرص العمل، او سرقة المال العام، او سوء الإدارة واختلاس ميزانيات المستشفيات، او ارتفاع الأقساط المدرسية واندثار المدرسة الحكومية، وبين المرتزق المقاتل لحساب العدو بحجة عدم التوازن الطائفي في السلطة… إن مثل هذه المساواة خطأ سياسي شنيع سيستولد حتمù سلسلة من الأخطاء والخطايا المميتة.
كذلك فالتوجه الى قمع المعارضة الطبيعية في الداخل بحجة الخوف من المعارضة التي تسمنها قوى اجنبية في الخارج، خطأ اشنع من ان يحمي مرتكبه أو يحمي سلطته.
ليس في لبنان »بلاط«، وليس حكامه من أبناء الدم الأزرق، بل هم نظريù منتخبون إما مباشرة وإما بالواسطة، وهم نظريù إنما جاؤوا الى الحكم لخدمة الشعب وليس لأنهم ورثوا »الشعب« عن آبائهم الصِّيد ليخدمهم في قصورهم او في الدواوين او ليجبي الضرائب والرسوم من ذاته لحسابهم.
ولا بد من ان يتصرف الحكم بسعة صدر تكفي لاستيعاب حركة الاحتجاج والعمل على علاج أسبابها، باعتباره المكلف الشرعي بهذه المهمة الجليلة، وليست الشرطة وسلاسل الحديد وقنابل الغاز والرصاصات المطاطية هي العلاج.
في يد الحكم ان يوظف المعارضة لخدمة مطلب الاصلاح، او ان يضعضعه خوفه فيجنح الى الخطأ، ويورط الجميع في مواجهة مفتعلة وغير مطلوبة ولا تجلب غير الضرر وسوء السمعة، والتي قد تفتح الباب لتحالفات مستهجنة ومرفوضة بين الخارجين على دولتهم وبين المخرَجين منها بسبب ضيق صدر حكامهم.
والحكم هو المسؤول، اولاً وأخيرù، وليست القيادة النقابية حتى لو ادعى البعض انها خيمة للمعارضات الاخرى، او حاول »الانقلابيون« ركوب موجتها للعودة الى الداخل الذي لفظهم من قبل ولا يجد سببù لتسليمهم قيادته اليوم.

Exit mobile version