طلال سلمان

حكم ضد حكم واسرائيل

يواصل الحكم في لبنان ممارسة ترف الانقسام على نفسه، وحروب التشهير الشرسة في ما بين أطرافه، بينما التهديدات الإسرائيلية بلغت في جديتها ما فرض الاستنجاد بالدول الكبرى، فضلاً عن العربية، لمنع تنفيذها على شكل اجتياح أو ضربات عسكرية مؤذية، إن لم نقل مدمرة.
ومع أن أطراف الحكم جميعاً تبدو مقتنعة بجدية التهديدات الإسرائيلية فإن ذلك لم يصرفها عن ممارسة هوايتها المفضلة في ابتداع أو إعادة إنتاج الخلافات في ما بينها، والانغماس فيها حتى أذنيها، بما يهز صدقية الحكم كله ليس فقط أمام »الدول« وإنما أولاً وأساساً أمام هذا الشعب المسكين المحاصر بالخطرين معاً: من خارج حدوده ومن داخل دست الحكم فيه.
الحكم ضد الحكم. السياسة ضد الاقتصاد. الأمن ضد السياسة. وحرب الحكم تفتح الباب عريضاً لمزيد من الأزمات الاقتصادية والسياسية مع كل ما يمكن أن تستدعيه من مخاطر أمنية، في بلد تستعر فيه الحساسيات الطائفية كلما تبدّى الحكم منقسماً على ذاته وغير موحد في قراره الوطني الجامع.
ماذا تفيد الفصاحة الصباحية لوزير الخارجية وما توفر بين يديه من أدلة عن التهديدات الإسرائيلية المعززة »بالتفهم« الأميركي، طالما أن جلسة مجلس الوزراء المسائية ستشهد جولة جديدة من حروب أهل الحكم على مواضيع الخلاف الداخلية ذاتها، بما يحول التهديدات إلى موضوع جانبي وينقص من جدية »الاستنفار« الدبلوماسي لأن المشكلة في داخل الداخل وليست على الحدود!
لقد تحولت جلسات مجلس الوزراء، في الغالب الأعم، إلى حلبات مصارعة بين »محاوره« المعروفة والتي تتوزع على المنطقين المتعارضين بين أولوية »السياسي« على »الاقتصادي« أو العكس، وهو أمر لا يحسمه التصويت (المحظور اللجوء إليه أصلاً)، مما يجعل تسريب المعلومات أشبه بعملية تشهير سياسية يتبادلها المعسكران المتواجهان، لإنهاك الخصم تمهيداً لإخراجه بالضربة القاضية!
أما خارج جلسات مجلس الوزراء الذي تعطل دوره كمؤسسة من زمان بعيد، كما عجز ومنذ أيامه الأولى عن أن يكون »حكومة اتحاد وطني« أو »ائتلاف وطني« فلا يتورع كل طرف من أطراف أهل الحكم من الأخوة الأعداء، رفاق السلاح في الخط السياسي الواحد عن محاولة تخريب ما يسعى إليه الطرف الآخر أو يحاول إنجازه.
وبهذا يصير انعدام الإنجاز انتصاراً لحكم يحتاج الى كثير من الإنجازات لتبرير وجوده.
وطالما أن كل طرف يعتبر نجاح »غريمه« هزيمة له فأفضل حل للاستمرار معاً هو عدم التورط في الإنجاز… لكن التقصير يزيد من ثقل العبء الاقتصادي ممثلاً بالدين العام وفوائده المستنزفة للموارد الضئيلة، ويمكن عندئذ استثمار هذا الفشل الاقتصادي سياسياً للتخلص من مبدأ »المساكنة« ومن شخص »المساكن«.
بالمقابل فإن حراجة اللحظة السياسية تمنع التغيير، وتفرض الاستمرار في »المساكنة« التي تحولت الى »مشاحنات« فإلى »مشاجرات« مفتوحة بل إلى ما يشبه محاولات الاغتيال السياسي، وهذه جميعاً تكاد تذهب بما تبقى للبلد من رصيد سواء على الصعيد العربي أو على صعيد »الدول« والمؤسسات الدولية.
كيف يمكن الذهاب إلى المواجهة مع العدو الإسرائيلي والحكم منقسم على نفسه ويكاد لا يتفق على أمر، بدءاً من أركان مجلس الخدمة المدنية، إلى قواعد الخصخصة، إلى إعادة خصخصة ما هو مخصخص كالهاتف الخلوي، إلى انتخابات المتن الفرعية وتفرعاتها، إلى من ينطق باسم الدولة ويعبّر عن سياستها في الداخل والخارج؟!
ومن الطرائف أن نفترض أن موسم الاصطياف أو السياحة عموما ستسهم في حل مشكلاتنا أو بعضها، لا سيما على المستوى الاقتصادي، بينما لا يتردد كبار المسؤولين عن سرد الروايات شبه الموثقة عن مستثمرين عرب كبار كانوا في طريقهم لتوظيف بعض أموالهم في لبنان فلما شهدوا »عينات« من نتائج الحروب بين أهل الحكم قفلوا عائدين إلى بلادهم أو ذهبوا يفتشون عن موقع مريح ومطمئن ويوحي بالثقة لاستثماراتهم بديلاً عن هذا اللبنان الجميل المنقسم على ذاته في القمة كما عند السفح.
إن تحسين الصورة في الخارج مفيد قطعاً من حيث المبدأ، لكنه لن يؤثر على حقيقتها في الداخل، ثم ان انقسامنا بات علنياً وفضائحياً ومعروفاً للداني والقاصي… ولا سيما القاصي!
هل من السذاجة أن نسأل: إذا كان الخطر الإسرائيلي لا يكفي لتوحيد أهل الحكم، في السياسة والاقتصاد والأمن والزراعة والبيئة والتربية والشؤون الاجتماعية، فما الذي ينفع في توحيدهم، وأين ومتى وبأي كلفة؟؟
هذا حتى لا نسأل: وطالما أنهم منقسمون دائماً فكيف، إذن، يحكمون، وأي دولة سيبنون؟!

Exit mobile version