طلال سلمان

حق اغلبية وحق رئيس

لا أحد يناقش في حق الأغلبية النيابية أن تسمي من تختاره مرشحاً لرئاسة الحكومة الأولى في العهد الجديد… لكن المؤكد أن الرئيس ميشال سليمان كان يفضل أن يتم تجنيبه الدخول، منذ اليوم الأول، في الاشتباك السياسي الذي عطّل الحكم لمدة تقارب سنتين، وتسبّب بإلحاق الأذى بصورة الدولة وصدّع الوحدة الوطنية بما أنذر بفتنة عمياء، ما يزال شبحها الأسود ماثلاً في الأفق.
بصيغة أخرى: من المؤكد أن الرئيس ميشال سليمان كان يتمنى أن ينجح في أن يكون وصوله إلى الرئاسة <فرصة> للتلاقي بين المتخاصمين، فيتم تشكيل حكومة وحدة وطنية، يحظى المرشح لرئاستها بما يشبه الإجماع، مثله، ـ وقد كان هذا متيسراً ـ … مما يؤكد تلاقي الموالاة والمعارضة، بعد دهر من الجفاء، واستعدادهما لتثبيت صورة التوافق الوطني العام، الذي تجلى في اتفاق الدوحة، عبر الحكومة الأولى كما عبر الرئيس الأول. ولا جدال في أن مرشحاً بما يشبه الإجماع للرئاسة الثالثة أفضل للبلاد، عموماً، وللرئيس سليمان خصوصاً من مرشح سماه ثمانية وستون نائباً وامتنع عن تسميته تسعة وخمسون نائباً..
نقول هذا بمعزل عن <الأحكام> التي أصدرها <الرأي العام> حول حدود مسؤولية كل طرف من الأطراف السياسيين، في الموالاة والمعارضة، عن الأزمة الخانقة التي كادت تزهق أنفاس اللبنانيين وتخرجهم من بلادهم يأساً من مستقبلهم فيها…
… وبمعزل عن الانشطار الحاد الذي عطّل الحياة السياسية، والدولة كمرجعية، باستقطابات هددت وحدة الشعب وارتدت به إلى حيث تبدى مجموعة من الطوائف والمذاهب والقبائل والعشائر تفصل بينها خنادق من الخصومة السياسية التي سرعان ما تحولت إلى جفاء فمقاطعة متبادلة فعدائية مدمرة.
بمعزل عن هذا كله، كان المواطن البسيط يأمل أن يكون التوافق على شخص الرئيس الجديد مدخلاً إلى حقبة سياسية مختلفة يمكن اعتبارها <هدنة> أو <فرصة لمراجعة المواقف>، مع التخفف من عبء الشعور بالانكسار، والتلاقي عبر الرئيس سليمان على حكومة محددة الوظيفة، ومحدودة العمر زمنياً، ولكنها مؤهلة لأن تحدث انفراجاً نفسياً، وتيسر أمام الرئيس الأول فرصة الظهور بالصورة التي طلبها اللبنانيون (والعرب ومعظم دول العالم) فيه: المجسِّد للتلاقي حول ما يحفظ الوحدة الوطنية… خصوصاً أن هذه الصورة بالذات هي التي جعلته، عبر تجربته المميزة في قيادة الجيش، مرشح الإجماع ثم الرئيس بما يشبه الإجماع.
لقد كان أمام الأغلبية الفرصة لكي تمد يدها إلى المعارضة التي يعرف اللبنانيون جميعاً أنها لا تقل في قوتها التمثيلية الشعبية عنها، إذا ما استبعدنا التفاضل بأحجام المؤيدين والمناصرين، فتمهد بذلك لطي صفحة من المخاصمة التي تجاوزت بنتائجها المدمرة على المجتمع حدود <اللعبة السياسية> وفتحت أبواب جهنم أمام هذا الوطن الصغير.
وكان الأمل أن يعود الجميع إلى أرض اللعبة السياسية ذاتها، حفظاً لما بذله الأشقاء العرب من جهد حتى كان اتفاق الدوحة الذي رأى فيه اللبنانيون مخرجاً لائقاً يحفظ <كرامة> الأطراف جميعاً، ويساعدهم على الولوج إلى مرحلة التوافق بعد قطيعة استطالت زمناً وحدة فكان لا بد أن تتحول إلى خصومة فمواجهة.
وكان الأمل أن تتحول فرصة التلاقي من حول <الرئيس بالإجماع> إلى توافق تجسده حكومة للوحدة الوطنية، بما يمكِّن <العهد الجديد> من أن يحمل البشارة بطي الصفحة السوداء للمحنة التي عصفت بلبنان فكادت تذهب بوحدته ودولته.
وعسى ألا تكون <الكيدية>، بلدية أو مستوردة، هي ما أملى هذه الخطوة غير الموفقة، والتي تنذر بأن تفرض على رئيس الجمهورية أن يتحول إلى طرف في صراع مرير اجتهد طوال ثلاث سنوات على تجنب الانجرار إلى التورط فيه، ونجح في أن يستنقذ موقعه ووحدة الجيش ففاز بالثقة الشاملة التي أوصلته إلى سدة الرئاسة… ومؤسف أن تكون قد سبقته إليها خلافات من وما قبله فشوشت عليه دوره.

Exit mobile version