طلال سلمان

حقول نفط غاز بين اسرائيل طبقة سياسية

ليس اللبنانيون (واللبنانيات) جميعاً على صورة أو مثال الطبقة السياسية الفاسدة والمفسدة التي تحكمهم… وها هو الفاتيكان يكتشف، ومن بين الإخوة الموارنة على وجه التحديد، من يستحق أن يعتبر «من عظماء الكنيسة» مثل الخوري أسطفان نعمة، المولود في لحفد من بلاد جبيل، أو مثل «الراهبة رفقا» المولودة في أعالي المتن الشمالي والتي طوّبها قديسة قبل أعوام قليلة.
على أن الفاتيكان، أو أية مرجعية محترمة في الدنيا، دينية أو مدنية، لن تستطيع إقناع اللبنانيين بأن في طبقتهم السياسية من يستحق التكريم لطهارة كفه أو براءة ذمته أو سلامة طويته من ضروب الفساد والإفساد…
وفي حين أن القديسين والقديسات يذوون بصمت، بعيداً عن الكاميرات والفضائيات والجمهور الصاخب والمشحون بالنكاية أو بالغضب المصنّع، فإن أهل الطبقة السياسية يملأون الأفق صراخاً كلما أرادوا تمرير صفقة، وقد يصل بهم الأمر إلى حد دفع رعاياهم إلى الاشتباك عند حدود الفتنة إذا ما اقتضت مصالحهم ذلك… وربما لهذا يتجمّد لبنان، غالباً، عند نقطة الخطر تلك: إن تقدّم هلك، وإن هو تراجع انقسم على ذاته! والعكس صحيح!
… ولعل بعضهم يقترح، في مستقبل الأيام، إنشاء عيد لجميع المفسدين على غرار عيد جميع القديسين، وبالتضاد معهم!
فلكل وزارة أو إدارة أو هيئة في لبنان مفسدوها…
وربما كان ضرورياً إنشاء نقابة أو اتحاد للمفسدين، من أهل الطبقة السياسية، يكرّس الأمر الواقع القائم… فلقد سلّم اللبنانيون بالفساد كقدر لهم، ولكنهم يطمحون إلى توحيد الفاسدين ـ الذين تجمعهم المصالح والمنافع وسرقة المال العام ـ بدل أن يبقوا موزعين على معسكرين يتوزعان الرعايا… ديموقراطياً وعلى قاعدة 6 و6 مكرّر!
.. وها قد جاء «العيد الأكبر»: عيد النفط والغاز!
هي منهبة عظمى تبشّر بالمليارات، وعلينا «تنظيمها»… و«التنظيم» يقتضي تقسيم الرعايا وتهييجهم، ليمكن إتمام الصفقة بهدوء، وفي مناخ من «التوافق» يعزز «الوحدة الوطنية» بحكومتها ومجلسها والرئاسات!
[ [ [
في الثامن من حزيران، أي قبل عشرين يوماً، نشرت «السفير» نقلاً عن مصادر إسرائيلية جدية، ترجمة لأخبار عن خطة تعدها حكومة تل أبيب «لسرقة حقول غاز داخل المياه الإقليمية اللبنانية»…
وفي التاسع من حزيران، نشرت «السفير» ترجمة دقيقة لبعض بنود الخطة الإسرائيلية تحت عنوان «البنوك لن تموّل اكتشافات النفط والغاز ـ إسرائيل تنتهك قوانين البحار وتخشى من دعاوى لبنانية وسورية».
وعبر المتابعة اليومية قدمت «السفير» تقارير تؤكّد أنهم في إسرائيل يتعاملون مع أمر الاكتشاف النفطي بجدية تداني إعلان حالة الحرب، خصوصاً أن تقديراتهم للثروة، في الغاز أساساً ثم في النفط، هائلة، بعشرات المليارات، ويمكن أن تدوم لثلاثين سنة على الأقل!
أما رد فعل الطبقة السياسية في لبنان فكان غريباً بل مريباً ونكاد نقول: مشبوهاً!
لقد باشر أقطابها حروبهم لتوزيع المغانم، بعدما افترضوا أنهم أصحاب الحق بامتيازات التنقيب وبالاستثمار لاحقاً، قبل «اصطياد الآبار» متوسلين ـ كالعادة ـ إثارة الغرائز الطائفية والمذهبية.
ما دين البحر؟! ما طائفة الأمواج؟ ثم ما هو دين النفط؟ وما طائفة الغاز؟!
لقد تعاملت إسرائيل مع «الثروة الآتية من أعماق البحر» باعتبارها «مسألة سيادة»، فنشرت الخرائط التي تبيّن موقع «الاكتشاف» الذي يزيد فيه الغاز عن النفط، وقد حددت عليها المسافات والأعماق والمواقع في المدى البحري المفتوح بين شواطئ كل من فلسطين المحتلة ولبنان وقبرص وربما سوريا.
لكن الموضوع في بيروت طرح بطريقة مغايرة تماماً: هل الحكومة هي المسؤولة عن هذه الثروة العتيدة، وهي قد باشرت مناقشتها، فعلاً، أم هو المجلس النيابي الذي بادر بعض أعضائه إلى تقديم مشروع قانون بهذا الخصوص؟
وأثيرت ـ فجأة، وعلى هامش «الاكتشاف» الإسرائيلي، مسألة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسوريا، جنباً إلى جنب مع ضرورة «ترسيم الحدود» بين المجلس النيابي وحكومة الوفاق الوطني!
فتح كل طرف أبواقه، شفهياً وخطياً، إذاعياً وفضائياً، مدعياً السبق إلى التفكير، أو إلى التدبير، في حين أن «التقرير» ـ حتى هذه اللحظة ـ ما زال إسرائيلياً، وليس في لبنان كله من قدم دراسة أولية أو تقدير موقف حول هذه الثروة المفترضة…
وكان لا بد من وساطات ومن شفاعات ومن تنبيهات إلى أن العدو الإسرائيلي قد أنجز دراساته، بدليل نشره بعض الخرائط التفصيلية، مترافقة مع إعلانه أو تذكيره بأن مداه الإقليمي يمتد إلى ثلاثين ميلاً بحرياً، وليس إلى اثني عشر ميلاً كسائر الدول…
ولأن «آبار الكلام» أو الجدل البيزنطي مفتوحة دائماً.
ولأن أي مسألة، وكل مسألة، يمكن أن تكون سبباً في الخلاف، فالشقاق.
ولأن النفط، ومثله الغاز، لا يعرف له دين أو مذهب، وبالتالي فمن الممكن تنسيبه إلى بعض أقطاب الطبقة السياسية، واستخدامه ـ من ثم ـ في الاشتباك حول السلطة ومكاسبها.
ولأن الطبقة السياسية قد فرغت، أو هي على وشك أن تفرغ، من تقاسم المواقع القديمة أو المستحدثة في الإدارة والهيئات الناظمة وقيادات المؤسسات.
لهذا كله، فلا بد من قضية جديدة تُشغل بها الناس عن همومهم الثقيلة، وعن إفقارهم اليومي المتعمد، في مواجهة موجات الغلاء المتوالدة من ذاتها والتي تمتد من العقار إلى الإيجار إلى أسعار الدواء والغذاء وسائر الاحتياجات اليومية.
… وقديماً قال بعض العرب إن «النفط ليس أغلى من الدماء»، فدفعوا أرواحهم ثمناً لهذا التطرف في القول وفي القرار!
أما في لبنان فيبدو أن دماء المواطنين هي السلعة الأرخص في حسابات الطبقة السياسية، ولذلك فهي تهدرها بخفة تحسد عليها، من أجل تعزيز مواقعها ونصيبها من السلطة.
في لبنان المحكوم، بهذه الطبقة السياسية الفاسدة المفسدة، يبدو أن دماء الرعايا هي أرخص سلعة في السوق، فكيف إذا ما قيست بالذهب الأسود أو الذهب الأبيض أو الذهبين معاً؟!

Exit mobile version