طلال سلمان

حسن نصرالله شجاعة قيادة

أثبت السيد حسن نصر الله، مرة أخرى، جدارته بالموقع الذي أحلّه فيه الناس كقائد من طينة مختلفة، خلقاً وكفاءة وتحسساً بالمسؤولية.
فلم يألف اللبنانيون من رهط القيادات السياسية الذين يحتلون مساحات الكلام، سواء منهم التقليديون والمتزعمون بقوة الانتساب إلى بيوتات الوجاهة، أو أولئك الذين أنبتتهم الكوارث الوطنية والمصادفات القدرية والحمى الطائفية والمذهبية، أن يحمّلوا أنفسهم مسؤولية ما يحرّضون عليه أو يدعون إليه، فكيف بما يحدث من دون طلب منهم، أو خلافاً لمصالحهم الذاتية، أو قد يتسبّب بإحراجات مع الدول يضطرهم إلى تحديد موقف واضح هو أكثر ما يخافون منه.
تلك هي أول مرة يقف فيها قائد سياسي يجلّله إنجاز تاريخي متوهج بدم الشهادة، ليعلن أمام اللبنانيين، والعرب، بشجاعة مفتقدة عند أهل الحكم والمعارضة على حد سواء: أنا أتحمّل المسؤولية عمّا جرى، مع أنني لم أطلبه !
لقد تعوّد اللبنانيون من السياسيين المحترفين، حتى لو جعلتهم الظروف في مواقع قيادية، أن يمارسوا في مثل الحالة التي واجهها الأمين العام لحزب الله نفاقاً مزدوجاً: اتهام عناصر الشغب المندسة بتخريب تظاهرات التأييد التي خرجت لإعلان ولائها لزعاماتهم، ثم إحالة المتضررين إلى الدولة كي تعوّض عليهم.
أما السيد حسن نصر الله الذي وصف حالة الجمهور الذي أغضبته الإساءة المقصودة إلى رمز للجهاد والتضحية والعمل الدؤوب بكفاءة استثنائية لتحقيق نصر غير مسبوق على عدو لا يقهر ، فقد وقف أمام اللبنانيين ليحدد المسائل بدقة: لم نوجّه دعوة إلى الناس للنزول إلى الشارع.. لكن الذين يحبوننا ويؤيدوننا والذين غضبوا لأجلنا نزلوا إلى الشارع عفوياً.. ونحن لا نتبرأ منهم بل نتحمّل كامل المسؤولية عمّا حصل.. فمن لحق به أذى أو ضرر أو يبحث عن طرف يحمّله المسؤولية، نحن في حزب الله ، وأنا حسن نصر الله، نتحمّل المسؤولية، والأمانة تقضي أن نبقى مع هؤلاء الناس لأن خلفية تحرّكهم كانت صادقة ونقية ووفية .
ومع أنه من الصعب مناقشة من استفزه ما اعتبره إهانة لرموز أو لشعائر يحلها في نفسه في موقع المقدس، فإن السيد حسن نصر الله تحدث بواقعية واضحة وهو يعلن أن ليس في السياسة مقدس وليس بين السياسيين من هم مقدسون، مؤكداً مرة أخرى أن النقد ضرورة بل لعله واجب وهو في صميم مكوّنات النظام الديموقراطي.
على أن السيد حسن نصر الله استدرك فأشار إلى خطورة حالة الاحتقان التي يعيش في أسرها اللبنانيون، والتي هي في جوهرها طائفية ومذهبية، أي أنها خارج السياسة، وخارج منطق الحوار الديموقراطي والحق بالاختلاف.
ولعل هنا على وجه التحديد تكمن المشكلة التي تعطل الحوار السياسي أو تحرفه عن أهدافه.. وهنا أيضاً الثغرة التي ينفذ منها التدخل الخارجي.
إن الدول موجودة بثقلها في مختلف مناحي الحياة في لبنان… و الدول هنا هي الشيطان الذي يكمن في التفاصيل، والتفاصيل ولاّدة الاحتقان.
وبالتالي يصبح التحذير من خطورة الهبات العفوية، أو حالات الهياج بالغضب أو الاستنكار احتجاجاً على تصرف أخرق أو تصريحات غير مسؤولة تصدر عمن يريد إشعال الفتنة في لبنان، واجباً وطنياً بل دينياً..
وفي جو الاحتقان الذي نعيش يصبح دخول بعض الفتية من هذا الحي إلى ذاك الحي عدواناً على الكرامة و استفزازاً مقصوداً و إهانة للدين أو للمذهب برموزه كافة، بما يُنسي الناس العدو الإسرائيلي ذاته، ويدفعهم إلى مواجهات عبثية تذهب بقضيتهم الواحدة وتهدد وطنهم الواحد ومستقبلهم الواحد فيه.
لقد أخرج جو الاحتقان الطائفي والمذهبي الناس من السياسة ، وألغى الصراع بالأفكار والعقائد، وأنزلت المقدسات والمقدسون إلى ميدان الاقتتال على المكاسب والمغانم كالمقاعد النيابية والوزارية والمواقع الإدارية… بل أنزلت هذه جميعاً إلى الملاعب الرياضية فكادت تحوّل كل مباراة إلى حقل رماية على الأنبياء والأولياء والقديسين جميعاً من جمهور يرفع أحياناً الشعار الديني لأغراض دنيوية مبتذلة!
ولا شك في أن موقفاً شجاعاً وحاسماً كالذي اتخذه السيد حسن نصر الله في تحمّل المسؤولية عما كان ليل الخميس الجمعة، سيكون له تأثيره في تخفيف الاحتقان، لا سيما إذا اقتدى به من يتصدى للقيادة في المواقع السياسية المختلفة، والتي يدعوها حزب الله ويسعى إلى إقناعها بالوصول إلى تفاهمات مشتركة بالحوار.ولا شك أخيراً بأن اللبنانيين سينحازون إلى من يعتمد الحوار، والحوار بالمنطق والوقائع والاحتياجات والمصالح، طريقاً إلى لبنان جديد، لا تهدده تظاهرة بالتفجّر ولا يحرّك جمهوره برنامج تلفزيوني رديء النص أو مقالات أو محاورات سياسية هي أقرب إلى المماحكات إن لم نقل إنها أقرب إلى النفخ في رماد الفتنة، طلباً للشعبية وللحضور السياسي ولو على حساب الوطن وأهله.
والمقدمات التي عبّرت عنها تصريحات القيادات السياسية التي تتخذ موقعاً مواجهاً لطروحات السيد حسن نصر الله، توحي بأن الحوار الوطني نفسه سيكون مهدداً بالاختناق في جو الاحتقان الطائفي والمذهبي.
ومقتل كل إنجاز عظيم، كالمقاومة، وكل فكرة مبدعة، وكل جهد من أجل مستقبل أفضل، هو أن تُجَر إلى المستنقع الطائفي، ثم يغسل المسؤولون عن قتلها أيديهم.. قبل صياح الديك!

Exit mobile version