طلال سلمان

حسابات ربح خسارة في لقاء واشنطن

لعل الرئيس رفيق الحريري يراجع الآن حسابات الربح والخسارة من لقائه الرئيس الأميركي جورج بوش، وهو اللقاء الذي ألح في طلبه وتوسط من أجله صديقه الرئيس الفرنسي جاك شيراك، لأنه كان يتوقع من هذا اللقاء قرارا بمشاركة عالية المستوى تكون عونا مؤثرا له في جهده من أجل إنجاح باريس 2.
كانت المشاركة قد تقررت من قبل، ولم ينفع اللقاء في رفع المستوى، أو في تبديل طبيعتها من »سياسية« الى بحت اقتصادية، علما بأنه لا فاصل هنا بين السياسة والاقتصاد.
لكن اللقاء الذي كان لا بد من أن يكون سياسيا قد خرج، مع بعض الأسئلة المعروفة الأجوبة التي طرحها الرئيس الأميركي على رئيس حكومة لبنان، عما كان يتوقعه الضيف، وعما كان يرغب في سماعه، لا سيما في مناسبة كهذه.
ولقد لعب التوقيت دورا حاسما في مجريات اللقاء، بدءا من شكلياته، وانتهاءً بمضمون تلك الأسئلة المستفزة التي أطلقها جورج بوش »بالسذاجة« التي تميز أسلوبه والتي كثيراً ما تحرج بل وقد تجرح، ولا يعوّض عن إحراجها أو جرحها محاولة التنصل منها بوصفها »مباسطة« أو »زلات لسان« رئاسية!
فالإدارة الأميركية، عموما، تضع نفسها في ما يشبه حالة الحرب مع العرب، عموماً، بدءاً بالمملكة العربية السعودية، التي كان مؤسسها الملك عبد العزيز الأسبق الى إرساء الأسس لصداقة كثيرا ما بلغت حد التحالف مع الولايات المتحدة الأميركية، واستقرت على هذه الحال سبعين سنة تقريبا… وليس إلا في ظل إدارة بوش تعرضت المملكة والأسرة الحاكمة عموماً، وشخص الملك فهد بالذات، الى حملة تشهير قاسية.
بل إن هذه الإدارة تعيش وتكاد تفرض على العالم حالة حرب فعلية ضد العراق، وهي ما زالت حتى اللحظة تتربص به وتستعد لمباشرة حربها مع أول »خطأ« يرتكبه النظام في بغداد.
ثم إنها متورطة، ومن موقع الشريك، مع السفاح الإسرائيلي ارييل شارون في حربه المعلنة والمفتوحة على مدار الساعة ضد عموم الشعب الفلسطيني في أرضه.
كذلك فهي لا تخفي سعيها الى تقسيم السودان على »قاعدة دينية« تجعل الفتنة فيه دائمة ومدمرة لمقوّماته كدولة ذات سيادة، ولشعب طيب لم يعرف التعصب على امتداد تاريخه.
أما مصر فإن الإدارة الأميركية تعاملها باستهانة مستفزة، وتوجه الى نظامها أقسى الاتهامات.
ومع أن العلاقات مع سوريا لم تكن جيدة في أي يوم فإن هذه الإدارة تعامل دمشق بحذر دائم، ولا تفتأ توجه إليها الاتهامات القاسية، معلقة القانون الخاص »بمحاسبتها« كمحاولة مفتوحة لابتزازها بذريعة أنها »ترعى الإرهاب« بدءا من »حزب الله« في لبنان الى »حماس« و»الجهاد الإسلامي« في فلسطين.
في مناخ كهذا كان منطقياً الافتراض أن لقاء الرئيس رفيق الحريري الرئيس الأميركي جورج بوش لن يحقق »خرقاً« في السياسة الأميركية، وأن أعظم النتائج المرجوة منه، أي إسقاط الاعتراض على باريس 2 وإعطاء الترخيص بعقده، بل والمشاركة فيه عبر مسؤول في وزارة الخارجية، كانت قد تحققت قبل اللقاء الرئاسي، وبغير كلفة إضافية ثقيلة كالتي تسبّب بها لقاء نصف الساعة في البيت الأبيض.
مع ذلك نتمنى، مع كل اللبنانيين، كل النجاح لباريس 2، ونقدّر للرئيس الحريري الجهد الأسطوري الذي يبذله من أجل أوسع مشاركة ممكنة وعلى أعلى مستوى ممكن في هذا المؤتمر الذي يتبناه الرئيس الفرنسي، والذي تتحمس له أوروبا عموماً بوصفه »جائزة ترضية«، أو مناسبة لإظهار حسن النية ازاء العرب عموماً، عبر لبنان، تفرض المقارنة الآلية مع المسلك الحربي الأميركي تجاه العرب عموماً، بمن فيهم لبنان…
وليس لقاء البيت الأبيض خارج هذا المسلك الحربي، وإن اتخذت »قذائفه« شكل الأسئلة المحرجة، سياسياً وشخصياً، وبين بين…

Exit mobile version