طلال سلمان

حزب لة امتحان صعب

»النصر« أثقل على الرؤوس الصغيرة من »الهزيمة«.
و»المنتصر« الحقيقي في الانتخابات البلدية والاختيارية، يوم أمس الأول، هو الذي تصرف منذ صباح الأمس وكأن كل الناس قد انتخبوه، فعلاً، فلا خصم له بينهم ولا »عدو«، وهو لا يأتي لينتقم ممن انتخب غيره بسيف »السلطة« التي آلت إليه بفارق بضعة أصوات.
في التراث اللبناني »المجيد« كانت »عداوة« الانتخابات تمتد من جيل إلى جيل، وكان التحضير للانتقام ممن انتزع »المخترة« أو »البلدية« من »أصحابها« يبدأ منذ لحظة إعلان النتائج، التي لولا بعض الضغوط أو المفاجآت أو عمليات التزوير أو الأخطاء التكتيكية لكانت جاءت مطابقة للحسابات ومؤكدة للجدارة.
لقد كانت معارك الأحد نظيفة، إجمالاً، بحيث أمكن اعتبارها شهادة لديموقراطية المواطن ولتسامح السلطة مع العصبيات العائلية ومع الرغبة العارمة في تجديد الدم في مواقع الخدمة العامة عبر تقدم الآلاف من الشباب المؤهلين للانخراط في العمل العام والاهتمام بشؤونهم الحياتية وتطوير بلداتهم وحماية بيئتهم المهددة.
لعل بعض أركان السلطة قد »خسروا« ففقدوا بعض مواقع النفوذ.
لكن سلطتهم لن تتأثر قطعا بهذه الخسارة المحدودة، فلم تكن الشعبية يوما معيارا لجدارة من يولى الأحكام، بل ان كثيرا من »الزعامات« قد بنيت بمنافع السلطة وباستغلال النفوذ وليس بالنضال السري أو العلني ضد المستعمر أو ضد الفساد والمفسدي.
ولعل بعض رموز العمل الحزبي قد »ربحوا« فكسبوا مواقع نفوذ لم تكن لهم بل وكان يبدو كأنهم ممنوعون من »تسنمها« حتى لا يخترقوا »الإدارة« الرسمية، ولو بالانتخاب.
لكن هؤلاء لم يربحوا، فعليا، بعد، وإنما هم اختطفوا الفرصة السانحة، وسيكون عليهم تقديم امتحان يومي، وكشف يومي بمصداقيتهم والتزامهم بوعودهم للناس، وسيكون بين معايير الحكم لهم (أو عليهم) قدرتهم على استيعاب من نافسوهم في اللائحة أو اللوائح الأخرى والأهم من اقترعوا لصالح خصومهم.
إن الفائز يصبح حكماً ممثل الجميع، و»خادم« الجميع.
وعملية الاقتراع تبقى مفتوحة طيلة مدة الولاية، ولا تنتهي بإعلان النتائج الرسمية، بل يبدأ الطور الثاني والأصعب.
ومع الاعتراف لقيادة »حزب الله« بالمهارة السياسية والمرونة والبراعة في التكتيك، ومع التنويه بكفاءة »ماكينتها« الانتخابية والانضباط المثالي للمحازبين، فلا بد من تذكيرها بأن امتحانها الحقيقي (والصعب) قد بدأ مع إعلان نجاح لائحتي »الحزب« في كل من الغبيرة وبرج البراجنة.
وبديهي ان هذه القيادة الكفوءة تدرك أنها قد انتصرت بالناس، بتقدير الناس لها ولأخلاقيات الحزبيين، وبتعاطف الناس معها لمواجهة الحشد الذي تلاقى على محاولة حرمانها من الوصول الى مواقع الخدمة العامة.
لقد قال الناس: ان من يقدم روحه من اجلنا ومن اجل الوطن يؤتمن بالتأكيد على بلدية او على مخترة، ويستحق منا التأييد ليس كمكافأة بل من باب الثقة بجديته وسهره على مصالح الناس ونظافة كفه والتزامه بموجبات الحلال والحرام.
ومع ان الناس يعرفون ان الحزب لجأ الى بعض الأساليب المألوفة في لعبة الانتخابات على الطريقة اللبنانية، الا انهم قد »يغفرون« له ان يمكر كما يمكر خصومه، بشرط ان يهجر »المكر« و»الاساليب« المألوفة غدا عائدا الى اخلاقياته المعبرة عن تدينه الصادق.
ومؤكد ان حزباً انتدب نفسه لمواجهة الاحتلال الاسرائيلي بمقاتلة »اقوى جيش في المنطقة«، ونذر اعضاؤه انفسهم لتضحيات تبلغ حد الشهادة، لا يمكن ان »يسكر« بنصر انتخابي كان متوقعا، وفي منطقة طالما شكلت له الحاضنة الشعبية فأمن فيها وأحسن التعامل مع أهلها وقدم لهم ما أمكنه من الخدمات المادية والمعنوية.
ونفترض ان »حزب الله« يدرك خطورة إنجازه، وانه سيحميه بمزيد من التواضع والانفتاح على الناس بوصفهم مصدر قوته، وبمزيد من الاعتراف بالآخرين ومد اليد للتعاون معهم من اجل خدمة الناس.
ليس »حزب الله« كمثل »التيار العوني« الذي لم يقدم الى الناس ما يجعله صاحب حق في اصواتهم ومع ذلك فهو يطالبهم بأن يخرجوا من دولتهم لكي ينالوا منه الشهادة بالوطنية.
ان »حزب الله« اكثر من يعي الدروس المرة للتجربة الجزائرية، وهو اكثر يقظة وثقافة وخبرة والتصاقاً بالناس من ان يكتفي بنفسه ويستغني عن الآخرين، وأن ينيب نفسه عن الدولة وعن كل الناس، وان ينصِّب نفسه مرجع الدنيا والآخرة فيستفز الجميع ويخيف الجميع بمن فيهم من ناصره وأعطاه ثقته وصوته.
ويعرف »حزب الله« ان ربحه المؤقت لمواقع محدودة لن يعوضه خسارة رصيده الممتاز على مستوى الوطن والامة، ان هو »سكر« بنصره فضيعه.
ان »حزب الله« يقدم الآن امتحانه الأقسى، ليس فقط أمام أهل الضاحية، وليس فقط أمام جمهوره الطبيعي، وليس امام اللبنانيين عموماً فحسب، بل امام العرب (وربما المسلمين كلهم).
بل ان عيون العالم تتركز على هذه الضاحية الصغيرة، تتابع تجربة »حزب الله«، وقلة من دوله تتمنى نجاحها.
و»حزب الله« يعرف، ولا بد، طريق النجاح، لأنه يعرف من خلال تجربة الآخرين كيف وأين ولماذا فشلوا وكبدوا الناس ثمن الفشل من دمائهم ومن مستقبل أجيالهم.
فلنأمل خيراً، مع كثير من الدعاء..

Exit mobile version