طلال سلمان

»حزب قرار دولي« في لبنان قراءة خاطئة تاخذ انتحار

لا بد من قراءة لبنانية متأنية للعملية الإجرامية الإسرائيلية في قلب دمشق، بتوقيتها ودلالاتها السياسية البعيدة التي تتجاوز الشخصية الفلسطينية المستهدفة، وهو قائد سياسي في »حماس« كان بين من أبعدهم الاحتلال الإسرائيلي في العام 1992 من موطنه فلسطين إلى »مرج الزهور« في لبنان.
لا بد من هذه القراءة المتأنية حتى لا يخطئ البعض فيراها منفصلة عن سياق التطورات عندنا، بالتمديد والتوترات التي استولدها داخلياً، ثم بالاستثمار الخارجي السريع والفعال لهذه التوترات واستصدار قرار مجلس الأمن الدولي 1559 بسرعة قياسية، وبضغوط علنية وصلت إلى بعض »العرب« بل وإلى الكثير منهم.
لقد رأى البعض في هذا القرار حرباً على سوريا ووجودها في لبنان، وأهمل الجوانب الأخرى فيه وهي خطيرة ولا تحمل كثيراً من الخير للبنان، إذا ما نحن اخطأنا في قراءتها وحصرنا الأسباب في الحرص على السيادة واحترام الدستور ومنع التمديد، ولم نلتفت إلى مضامين أخرى خطيرة أو مرشحة لأن تستولد نتائج خطيرة إذا نحن لم ننتبه إليها ولم نتعامل معها بالوعي والحكمة والحرص على أمرين معاً:
1 عدم التصادم مع القرار الدولي.
2 وعدم التورط في فهمه وفقاً للغرض بما يتسبب في انشقاق داخلي يصعب حصر نتائجه المدمرة.
إن سوريا في مأزق. وهذا صحيح.. وهي بالتالي في موقع دفاعي ضعيف في مواجهة »العالم« بالقيادة الأميركية الشرسة المتماهية مع القيادة الإسرائيلية الأشد شراسة، معززة الآن بالهجمة الأوروبية المتعددة الأسباب على قيادة سوريا ونظامها، من خلال »وجودها« في لبنان.
وقد جاء حادث اغتيال المجاهد في »حماس« عز الدين الشيخ خليل في دمشق استثماراً إسرائيلياً محسوباً للمأزق السوري، يوجه لطمة إلى هيبة النظام السوري، لا سيما في لبنان، ويشجع »حزب القرار الدولي« على تصعيد هجومه السياسي مفترضاً ان هذا التجرؤ الإسرائيلي على سوريا سيصب في مصلحته لبنانيا، وسيمكنه من ابتزاز سوريا محلياً بما يمكنه من إعادة تشكيل الحكم، لا الحكومة فقط، جذرياً.
ولقد ظهر »حزب القرار الدولي« على سطح الحياة السياسية في لبنان، مؤخراً، ليجمع أشتاتاً من المعارضين المتبايني الأغراض، ممن وجدوا فيه أرضاً للتلاقي تحت شعارات برّاقة بينها: استعادة السيادة والتحرر من الهيمنة السورية، سياسياً بالأساس، ومن ثم عسكرياً، والتخلص من شبح »حزب الله« كطرف سياسي له وزنه المؤثر، وعزل القضية الفلسطينية عن التأثير في الشأن اللبناني، واستعادة الرعاية الدولية للبنان بدستوره وديموقراطيته وقراره المستقل.
كان الحزب قيد التأسيس من قبل صدور القرار الدولي، ثم جاءت معه اللحظة المناسبة للخروج إلى الناس، بلا خوف أو تحرج: لقد جاءت ساعتنا للحكم!
إن سوريا في مأزق. لا أحد ينكر ذلك.
ولكن من يقول إن لبنان، بدوره، ليس في مأزق يكون واهماً.
إن على »حزب القرار الدولي« الذي ينظر إلى قرار مجلس الأمن وكأنه إعلان جديد لاستقلال لبنان أن يتنبه إلى مجموعة من المحاذير التي قد تحوّل هذا القرار إلى عنصر تفجير داخلي، وقد يحوّله من أداة متوهمة لتطبيق الطائف إلى اسقاط لهذا الاتفاق الملتبس والذي لا يتحمل انشقاقاً وطنياً حول تفسيره.
إن بعض هذا »الحزب« قد فهم القرار، أو انه يريد ان يفهمه على انه عزل للعلاقات اللبنانية السورية عن الصراع المفتوح في المنطقة بعد، وشلالات الدم التي تغمر الأراضي العربية من غزة فلسطين إلى آخر أرض السواد في العراق تعطل أية فرصة لوقفه وإقفاله.
إن سوريا في مأزق. لا أحد ينكر ذلك. والجهد متواصل دولياً لتشديد الحصار على سوريا بشروط تتصل بأمن الاحتلال الأميركي في العراق والإسرائيلي في فلسطين أكثر مما تتصل بشروط السيادة اللبنانية ولا مجال لتوهم العكس.
ومفهوم ان يحاول المعارضون والمعترضون على الدور السوري في لبنان الإفادة من القرار الدولي في المناورة السياسية المحلية، وتوظيفه لتبديل وجه السلطة ودورها الاقليمي.
لكن الطريق الى هذا الهدف يمر، حتما، بتسوية لبنانية سورية لمواجهة مشتركة للأبعاد الكاملة لهذا القرار غير المسبوق في المنظمة الدولية، والذي وضع وأقر لاسباب تتجاوز لبنان بالقطع، وليس من بينها احترام نصوص دستوره ولا شخصية الرئيس فيه…
إن الازمة اكبر من شخص الرئيس وكيف تم التمديد لإميل لحود.
وهي ايضا اكبر من معارضي تعديل الدستور للتمديد.
إن »حزب القرار الدولي« قد يندفع في التوهم الى حد استعادة المقولة الزجلية اللبنانية الشهيرة بأن »العالم يشتغل عندنا«، وأن كل هذه القوى الدولية التي اجتمعت على سوريا انما جمعها فعلا الحرص على الدستور وعلى الديموقراطية، وبالتالي على تمكين هؤلاء المعارضين من القفز الى السلطة بشعاراتها ذات البريق الغربي الخلاب.
إن المبالغة في استخدام هذا القرار، وبالتفسير الخاطئ، من طرف قوى الاعتراض والمعارضة في لبنان للهجوم على سوريا ستعيدنا الى عصر الانقسام الخطير حول هوية لبنان ودوره.
وليس أسهل من تحول او تحويل هذا القرار الى عنصر تفجير للوضع الداخلي اذ قد ينقل الاعتراض من اطاره السياسي المحلي المشروع الى مستوى آخر بحيث يصب الاعتراض في خانة التدويل، وفي لحظة تماه بين المشروع الاميركي مع المشروع الاسرائيلي للمنطقة، ومع انعدام اي صيغة او فرصة للفصل بينهما.
وقد يجد بعض المتطرفين من محترفي التوهم في القدرة على توظيف الدول الكبرى لخدمة اغراضهم الصغيرة، في القرار فرصة جديدة للعودة الى الشعار القديم في اعلان حياد لبنان، بما يعني القفز من فوق التجارب الدموية المخيفة التي فرض على لبنان ان يعيش في أتونها طويلاً، بما يعني التوجه مجددا نحو الحرب الاهلية.
إن الخوف كل الخوف ان يفترض بعض هذا »الحزب« في القرار فرصة لانقلاب شامل لا يمكن وصفه بأقل من محاولة لانجاز الاهداف التي لم ينجزها الاجتياح الاسرائيلي، اي بأن يكون »1982 سياسية«.
إن علينا، ولو مرة، ان نتعلم من عدونا…
فلقد صدر العديد من قرارات الإدانة لاسرائيل،
سواء عن مجلس الأمن أم عن الجمعية العامة للامم المتحدة.
لكن الاسرائيليين، على تعدد أحزابهم وعلى اختلاف منظماتهم الدينية والسياسية، كانوا يتجاوزون كل خلافاتهم الجدية لمواجهة تلك القرارات بموقف موحد في رفضه حرصا على »القرار الوطني المستقل«.
والامل الا يكون في قلب »حزب القرار الدولي« من يعتبر ان قبول هذا القرار بأسوأ تفسيراته (او أغراضه) مدخل الى »القرار الوطني المستقل«، وبالتالي رافعة توصله الى السلطة لممارسة مثل هذه الوطنية المستقلة.
إن المطلوب هو تسوية لبنانية سورية لمواجهة مشتركة للمفاعيل (غير اللبنانية) لقرار مجلس الأمن.
ولعل حكومة الاتحاد الوطني الجاري الحديث عنها والبحث عن أقصر الطرق وأضمنها إليها، تكون خطوة اولى على هذا الطريق الذي طال الضياع عنه، لاسباب لبنانية وسورية مشتركة.
ولعل العملية الاسرائيلية في قلب دمشق تشكل إنذاراً بالدم ليس للسوريين فحسب بل للبنانيين أيضا ولأوهام بعض »حزب القرار الدولي« بإمكان إنجاز ثلاثة مستحيلات معاً: إخراج السوريين مهزومين من لبنان، ورمي الفلسطينيين في البحر، وتجريد »حزب الله« من سلاحه حتى لا تصيبنا لعنة الاتهام ب»الإرهاب« بينما نحن ضحاياه.

Exit mobile version