طلال سلمان

حزب النعميين

.. وامتد حبل الكلام، لليوم النيابي التلفزيوني الطويل الثاني، ثقيل الوطأة على مَن تبقّى من السامعين بالتكرار والإعادة، والانفصال البيِّن بين السياق المعارض الذي ينتهي في ما عدا عند أصحاب المواقف الثابتة بمنح الثقة للحكومة المعترَض على تشكيلها وعلى بيانها المعلن وعلى نواياها المضمرة.
ينهمر الحكي أغزر من المطر في كوانين،
يتلطى الجمهور خلف ملله، خصوصاً أن لا مجال للهرب فالمحطات قد اندمجت جميعاً في محطة واحدة، وكأنها »تجربة أولى« لتأميم الإعلام المرئي واحتكاره من قبل المتنفذين من أصحاب السلطة والمال،
حسناً إنها آخر مرة يطل فيها المعارضون على الشاشة، فلتكن ضريبة »الانجاز« الاعلامي الأخطر. ليقولوا ما يشاءون، في »ساعة الوداع« هذه، فتلك هي »شهادة البراءة« اللازمة لتمرير القانون التعسفي. آخر وصلة ديموقراطية!
ولا بأس أن تتحمل الحكومة التي ولدت بعملية قيصرية بترت منها بعض مَن كانوا قد تبلغوا توزيرهم، واستبدلتهم في اللحظة الأخيرة بأصحاب الحظ الذين ربحوا فجأة جوائز »اللوتو«، أو هبط عليهم الحظ وما كانوا ليتوقعوا أن يتذكّرهم أحد ممن بيدهم القرار…
لا بأس أن تتحمّل الحكومة ثلاثة أيام من الجلد الكلامي، فذلك أبخس ثمن يدفع في سنتين من السلطة والجاه والنفوذ والصفقات والتعيينات والتلزيمات. تغب غباً بالطلب أو بالرغبة أو بكليهما معاً.
لن تبدل الخطابات، على خطورة ما تضمنه بعضها من اتهامات ووثائق وتحذيرات وإدانات وأرقام فاضحة لخطورة التوجهات الاقتصادية، حرفاً مما كتب، خارج البيان الوزاري وليس في أصله،
كذلك فلن تغير الحجة والبينة والدليل الحسي على خطأ النهج المعتمد »موقف« أي نائب من المدمنين على عادة رفع الأيدي بالتأييد!
مَن المانح ثقته ومَن الممنوحة له؟!
مَن الحاجب ثقته ومَن المحجوبة عنه؟
كيف يخالف، الآن، مَن كان شرط نيابته أن يقول نعم، فإذا ما خطر بباله أن يتطرف استبدلها ب»بلى، بلى«، أو ربما هزّه الطرب فقال: »بخ، بخ«؟!
كيف يقول »لا« ذلك الذي حفيت أقدامه وعجلات سيارته وهو يسعى متذللاً متعطفاً متسولاً نعمة أن يقال له »نعم«؟!
إن حزب »النعميين« هم الأكثرية المطلقة اليوم وغداً وبعد غد،
لا علاقة بين »نعم« التي قالوها أمس وسيقولونها اليوم وسيعيدونها كلما لزم الأمر، وبين البيان الوزاري، نصه أو مضمونه، ولا بطبيعة المشروع المطروح… إنهم يقولونها للقائل لا للقول.
ولربما كان رئيس الحكومة مهتماً بعدد »النعمات« التي سيجنيها بعد ثلاثة أيام من الصبر الجميل على مرّ الكلام… لكن اهتمامه يتصل بالمعنويات وبما هو اعتباري، إذ يخشى أن يكون التناقض في عدد مانحي الثقة لحكومته الثالثة عن مانحيها لحكومتيه السابقتين دليل تراجع في الاحتياج إليه. وبالتالي دليل ضمور في هامش حركته وفي سلطته التي بدأت شبه مطلقة وتبدو الآن كأنها غدت شبه مشروطة.
أما في حسابات المواطن العادي فما يهمه هو أن ينتهي هذا الفيلم الرديء إنتاجاً وإخراجاً وتمثيلاً، والذي يحاولون عبره إيهامه بأنه صاحب رأي في ما يجري وأنه »شريك« في ما يقرّر تنفيذاً »لإرادته«!!
لقد ضاع على البلاد أربعة شهور أو خمسة، كانت الادارة خلالها مشلولة، وتفاقم خلالها الركود الاقتصادي بدرجة خطيرة فزاد من حدة الضائقة المعيشية باعتبارها عنوان الأزمة الاجتماعية..
المهم أن تعود الحركة إلى مسارها الطبيعي… المتعثر!
المهم أن تخرج البلاد من حالة تصريف الأعمال، بعدما أتموا تصريف الأموال!
والأهم أن تعود المسلسلات المكسيكية وبرامج ملكات الجمال والأناقة وحفلات المصارعة والملاكمة وكرة القدم إلى الشاشات الكثيرة لصاحبها الأوحد!
أممنوع أيضاً الترفيه عن هذا المواطن المقهور في السياسة والاقتصاد والاعلام وسبل العيش؟!
إلى الترفيه إذن، وكل حكومة وثقة متلفزة وأنتم بخير!

Exit mobile version