طلال سلمان

حريري انان اذن اميركية

اختار الرئيس رفيق الحريري الطريق الاقصر الى »اذن« الامين العام للامم المتحدة والى »عقله«، ومن ثم الى مدى حركته المفترضة تجاه لبنان ومطلبه في تحرير ارضه.
ونحب أن نفترض ان كوفي أنان قد استمع بانتباه اكثر، وانه تفهم وفهم بلا التباس الرد اللبناني على العرض الاسرائيلي، المشروط لتنفيذ القرار 425.
لقد تم اللقاء في مقر المنظمة الدولية، وفي الاطار الرسمي تماماً، وبعد جولة لرئيس الحكومة اللبنانية في واشنطن، تعددت محطاتها الرسمية وشبه الرسمية فامتدت من البيت الابيض الى الخارجية ومجلس الامن القومي وبعض مطابخ القرارات ممثلة بمراكز الدراسات او معاهد الابحاث او اللجان المتخصصة.
وبالتأكيد فان اللقاء وكوفي انان وبعد بيل كلينتون (ولو من دون صورة رسمية) افضل واكرم واجدى بما لا يقاس من لقاء المصادفة أو الارتجال مع »الموظف الاممي« في باريس وبترتيب خاص قد يمس او يؤثر سلباً على جدية الرد اللبناني على »الهجمة المرتدة« (بلغة المونديال) التي يشنها نتنياهو على لبنان بسلاحه الامضى: القرار 425.
فليست سرية او مستنكرة تلك العلاقة الخاصة التي تربط كوفي انان بالادارة الاميركية… كما ان احداً لم يعد يستطيع ان يكابر فينكر الهيمنة الاميركية على حركة الامم المتحدة وتأثيرها المباشر، والفظ غالباً، على قراراتها، كما على امينها العام، والتي جعلت البعض ينظر الى المنظمة الدولية وكأنها احدى الادارات التابعة لوزارة الخارجية الاميركية.
واذا كانت الحركة الدبلوماسية المنسقة للبنان وسوريا قد نجحت في تنبيه كل من فرنسا والصين وروسيا، وحتى بريطانيا، الى خطورة المس بالقرار الدولي الذي تجاهلته اسرائيل طوال عشرين عاما ثم جاءت الان تعرضه من خارج مضمونه، فان »تحييد« الولايات المتحدة او تعطيل تأثيرها المضاد، يلغي مخاطر التعديل او استصدار قرار جديد سينقص حتماً من قوة القرار القديم والممتاز نصاً وروحاً.
والمفترض بداهة ان يكون الرئيس الحريري قد ذكر المسؤولين الاميركيين بان بلادهم كانت »القابلة السياسية« لهذا القرار وحاضنته، بداية، ثم الساكتة عن تنفيذه فيما بعد، لحسابات تتخطى لبنان والمنطقة وتصب في الصراع الذي كان مفتوحاً مع الاتحاد السوفياتي ومعسكره الاشتراكي سابقاً.
والارجح ان الرئيس الحريري قد ابلغ المسؤولين الاميركيين ان لبنان لن يسقط في الفخ الاسرائيلي، المتمثل بمقايضة بائسة بين حق اللبناني في ارضه المحتلة وبين حقوق الفلسطينيين في ارضهم الفلسطينية الجارية المساومة عليها بالامتار الان، ومن باب اولى الا يسمح لبنان باستخدام حقه هذا لايذاء حقوق السوريين في ارضهم المحتلة.
قد يكون من التبسيط المخل القول انك اذا كسبت واشنطن فقد ضمنت »التزام« كوفي أنان بمضمون القرار، وعطلت »اللغم« الاسرائيلي المكشوف،
لكن هذه الخطوة الطبيعية كانت ضرورية وقد جاءت في موعدها الصحيح، وان كانت لا تغني عن استكمال الحركة الدبلوماسية الواسعة خارج واشنطن ونيويورك،
فليس سراً ان مدى الهجوم الذي يشنه نتنياهو بالقرار 425 يتعدى حدود لبنان ليصيب سوريا فيربكهما ويلزمهما بموقف دفاعي، ضعيف نسبيا، بينما يتفرغ لحصد مزيد من الجوائز على حساب الموضوع الفلسطيني.
انها »مهمة عربية« هذه التي يقوم بها رئيس حكومة لبنان،
والطبيعي ان يواكبها ويعززها موقف عربي تضامني شامل، بمعزل عن الخلافات حول القمة العربية المعلقة في سماء التوقعات
ان يربح لبنان هذه المعركة فذلك مكسب عربي مهم يحتاجونه اشد الحاجة، ولعل الادارة الاميركية المنهكة والمرتبكة والمضيعة في خضم فضائح رئيسها تحتاجه مثلهم واكثر.
على ان الدول الكبرى كثيرة الحاجات، ونادرة الخسارة، وهي قد تراهن على الابيض كما على الاسود،
وعسى ان يكون الرئيس الحريري قد نجح في اقناع الادارة الاميركية »بمصالحها«، وبأن اسرائيل هي التي تحتل الأرض اللبنانية وليس العكس،
وعسى ان تكون الادارة الاميركية قادرة، بعد، على اتخاذ موقف الحياد، وعدم الانصياع لمقتضيات الهجوم الاسرائيلي، خوفاً من ان ينفذ نتنياهو تهديده باحراق واشنطن!.

Exit mobile version