طلال سلمان

حرية ومقاومة

لم تكن تجربة « السفير» تجربة قُطرية ضيقة، وإنما امتدت لتشمل كل الوطن العربي، متابعة، وتورطاً خبرياً ورأياً..وأيضاً تنفيذاً وإخراجاً. مصر بالتأكيد كانت حاضرة، ربما رد جميل أيضاً للبنان الذي أسهم مهاجروه في تأسيس الصحافة المصرية، الأكثر شهرة على ذلك الأهرام والهلال على سبيل المثال. بينما أسهم المنفيون المصريون في الصحافة اللبنانية بعد أن ضاقت قاهرة السادات بهم هكذا شارك مصطفى الحسيني، إبراهيم عامر، في التجربة الأولى، ورسم بهجت عثمان.. كما عمل المخرج السينمائي يسري نصرالله ناقد سينمائياً للجريدة.. بينما صمم حلمي التوني الشعار الرئيسي للجريدة.
لا يملّ التوني من الحديث عن السنوات البيروتية، باعتبارها الأهم في حياته بعد أن تم فصله من عمله مع نخبة من المثقفين المصريين بسبب معارضتهم لموقف السادات من حالة اللاسلم واللاحرب..: «كنت أعمل مشرفاً فنياً على إصدارات دار الهلال، وصباح ذات يوم فوجئت بصدور قرار للرئيس السادات بفصل 104 صحافيين كنت الفنان الوحيد بينهم. انصرف الناس عني على رغم عودتي الى مهنتي الأساسية كرسام. ولا أنسى يوم مجيء سهيل إدريس صاحب دار الآداب البيروتية إلى مصر حاملاً دعوة لي للسفر إلى بيروت، وكانت آنذاك بمثابة منبر أو منارة للحرية». تردد التوني كثيراً في الهجرة، ولكن لم يكن أمامه سواها.. مثلت له بيروت نقلة كبيرة في حياته، حيث استفاد من انفتاح لبنان على الغرب ومن تقنيات الطباعة.. يقول: «وعندما ذهبت إلى هناك كانت الطباعة متقدمة، والامكانيات متوفرة مقارنة بمصر التي كانت في تلك السنوات ذات اقتصادية سيئة بسبب الحرب. في تلك الفترة التحق بالعمل في المؤسسة العربية للدراسات والنشر، كما صمم ملصقات وبوسترات المقاومة الفلسطينية التي كانت قد انتقلت إلى بيروت بعد أيلول الأسود، كما صمم شعار جريدة السفير «حمامة برتقالية» رمز الحرية، بينما رمز اللون البرتقالي لفسلطين المقاومة… يضيف التوني: كنت قد تعرفت على طلال سليمان في القاهرة، هو زميل قديم وصديق كبير، بدأت معرفتي به بعد ان حضر الى القاهرة بعد العدوان الإسرائيلي على مدرسة بحر البقر، جاء ليغطي هذا الحدث لمجلة الحوادث التي كان يعمل فيها آنذاك، ومن يومها امتدت زمالتنا وصداقتنا لتشهد (أبقار بحر) كثيرة، والسفير بالنسبة لطلال كما هي بالنسبة لي حلم تحقق. السفير جريدة الوطن العربي في لبنان وجريدة لبنان في الوطن العربي، والأهم من ذلك انها «صوت الذين لا صوت لهم» وأظن انها ستبقى كذلك».
ورغم أنه لم يتوقع أن تستمر «هجرته» سوى شهور، لكنها طالت لأكثر من عشر سنوات حتى تم قصف بيته في «الروشة» وتدميره بعد الحصار الإسرائيلي، واضطر إلى أن يحمل ابنته ذات الثلاث سنوات في رحلة شاقة لدمشق ثم للقاهرة.. كاد أن يدفع فيها حياته عندما استوقفته دورية إسرائيلية…. يتذكر: «كانت تلك هي المرة الأولى التي أرى فيها جندياً إسرائيلاً، أدهشني انه ضعيف جداً، صحته معتلة، ووجهه شاحب، لم يكن له وجاهة الجنود والضباط المصريين.. ولذا قلت في نفسي هل هؤلاء هم من يخيفوننا»!!

حلمي التوني

السفير، 2132014

Exit mobile version