طلال سلمان

حروب فضائح

ضاق البحر الأبيض المتوسط على فضائحنا السياسية فاضطر الوفد الوزاري إلى ركوب الطائرة (الخاصة) إلى سردينيا لكي يبلغوا آخر الوقائع الميدانية ويتبلغوا من رئيسهم المتعب برنامج عمل ما بعد الإجازة من حروب الكرامة ورد الاعتبار بين رؤساء »لبنان الكرامة والشعب العنيد«.
ومن أسف أن الوفد الوزاري لم يستطع الاستمتاع ولو بغطسة في مياه الشاطئ الإيطالي اللازوردي، لأن حرب المواقع تفترض في الجميع أن يبقوا في حالة استنفار وتنبه حتى لا تطغى »صلاحية« على أخرى، ولا تشتبك حقوق الرئاسات في معركة أخرى مفتوحة تفرغ الخزينة من آخر دولار في الاحتياط الاستراتيجي للمصرف المركزي.
أما الذين في بيروت فهم في همومهم يسبحون!
والحقيقة أن لبنان يعيش حالة من الفوضى السياسية الشاملة تكاد تكون في اتساعها غير مسبوقة، خصوصا أنها تشمل أهل الحكم والمعارضات المتعددة، بحيث لا يحسد أحد الآخر على موقعه أو إذا شئت الدقة على مركبه أو مسبحه الخشن!
فأما المعارضات المختلفة الرايات والأهداف فقد ارتدت إلى موقع دفاعي ضعيف بعد افتضاح أمر الاختراق الإسرائيلي لبعض متحدري »القوات اللبنانية«، فصار همها إعلان البراءة والتنصل من المخترَقين والمخترِقين ليمكن الحفاظ على الإطار الجبهوي العريض الذي يجمعها من دون أن يوحدها خلف أهداف محددة.
لا »قرنة شهوان« تستطيع أن تتحمل هذا الوزر، ولا »المنبر الديموقراطي« بطبيعة الحال، ولا على وجه الخصوص جامع الأضداد والمتناقضات وليد جنبلاط العائد مباشرة من ميدان مواجهة الاختراق الإسرائيلي للطائفة الدرزية في فلسطين.
وطبيعي أن يكون البطريرك الماروني المتبرئ الأول ممن حاولوا أن يتغطوا بعباءته ليغطوا اتصالهم المتجدد مع مسؤولين إسرائيليين، لا يهم إن كانوا حاليين أو سابقين، وأصحاب قرار أو مجرد مستشارين قد لا يستشيرهم أرييل شارون.
على أن الحرج الذي أصاب المعارضات المتعددة الرايات لم يوفر المزيد من الراحة لأهل الحكم الذين تواصلت حروبهم فوق القمة، وتوزعوا أشتاتا وجبهات متواجهة تتبادل اتهامات أقسى من كل ما يفكر فيه أو يقوله الخصوم.
الطريف أن أهل الحكم يعرفون أن حروبهم بلا أفق، وأنهم مضطرون في نهاية الأمر إلى العودة إلى بيت الطاعة، وإن كان كل منهم يُظهر الآن شراسة متناهية في القتال طلبا لتعديل ما في شروط التعاقد.
الأطرف أن كلاً منهم يدّعي الآن أنه قد أصيب في كرامته، وليس فقط في صلاحياته، وأنه لا بد من أن يعاد إليه اعتباره علنا، وقبل البحث في كرامة المؤسسات وصلاحيات الرئاسات.
ولكن… لا ضعف المعارضات صب في اتجاه تقوية الحكم، ولا انقسام أهل الحكم وتوزعهم جبهات مصطرعة أضاف أي قدر من القوة الى هذه المعارضات التي تقوم على قاعدة الأواني المستطرقة.
الكل ضعيف ولكنه يستقوي على الضعيف الآخر.
وأزمة البلاد، بوجوهها المتعددة، السياسية والاقتصادية أساسا، أخطر من أن يحلها تكاتف الجميع، فكيف وهم مختلفون الى حد التناحر، بل وبعضهم يكايد البعض الآخر ليحمّله مسؤولية الفشل في معالجة الأزمة؟!
أما المواطن الذي أعطى وما بخل، دفع الضرائب والرسوم جميعا، تحمل »الفائض« والتعويضات، تحمل انقطاع التيار الكهربائي الذي اقتطع كلفته العالية من قوت عياله، تسامح مع الأخطاء والارتكابات والعجز عن الإصلاح، تساهل مع انتخابات نيابية لم يعجبه قانونها ولا أرضته نتائجها، ثم تكشّف له أن النواب الذين جاءت بهم لا يمنعون انحرافا ولا يتصدون لخطأ فادح، بل تأخذهم الموجة الى حيث لا يقصدون..
أما هذا المواطن، فخارج الحروب تماما لا تقنعه مبررات الاشتباك، ولا يجد له مكسبا في خواتيمها المقررة.
إنه يعرف أن التغيير متعذر، وأن الكل محكوم بالبقاء في موقعه.
ويعرف أن كل المعنيين يعرفون هذه الحقيقة، وان كل تحايل عليها أو تشاطر لا يفيد إلا في زيادة الحدة في الأزمة الاقتصادية العامة وفي تفاقم الضائقة المعيشية التي ضربت كل بيت وكل عائلة، وفي تردي الأوضاع السياسية بحيث صارت أخبار لبنان أقرب الى الفضائح الأخلاقية.
… ويعرف أن هذه المخازي تضيّع الرصيد العظيم للبنان المقاومة الذي انتصر على جبروت الاحتلال الإسرائيلي.
… ويعرف أن حكامه يعرفون أن البلاد تكاد تفرغ من نخبة شبابها، الذين وصل بهم اليأس من صلاح الحال الى حد الهجرة الى أي مكان يقبلهم في أربع رياح الأرض.
لقد رضي بالهمّ، لكن الهم لم يرض به، على حد ما يقول المثل الدارج.
ولن يَفيد أي من الرؤساء أن يرمي الآخر بدائه وينسل، فالكل شركاء في المسؤولية عن الأزمة، والكل مطالَبون بالمساهمة في حلها.
والمواطن يصدق الاتهامات جميعا، وضد الشركاء الأعداء جميعا، وعسى يجيء الحل على الطريقة الطليانية ولو بإخراج جنبلاطي!

Exit mobile version