طلال سلمان

حرب على العرب والمسلمين….

يبدو العرب، ومعهم المسلمون في العالم كله، الآن، محاصرين بين البولدوزر (أو المدفع) الإسرائيلي وبين الفيتو الأميركي وهو الأشد فتكاً من الأسلحة جميعاً.
فخلال أقل من ثلاثة أسابيع استخدمت الولايات المتحدة الأميركية حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، وفي موضوع واحد هو الحق العربي في القدس مرتين:
} المرة الأولى في وجه العرب مجتمعين (ومعهم كل العالم ما عدا أميركا وإسرائيل).
} والمرة الثانية في وجه المسلمين مجتمعين استثنائياً!! في إسلام أباد، مع أنهم »تواضعوا« أو »تنازلوا« فكادوا ينزلون تحت مستوى الموقف المتهالك للعرب، والذي لم يكن يطمح الى أكثر من صياغة هشة أو ملتبسة تحفظ ماء الوجه، ولو إلى حين.
يمكن الاستنتاج ببساطة جارحة أن واشنطن »تتهيّب« المسلمين (مجتمعين) وتراعيهم وتداري مشاعرهم حيال مقدساتهم تماماً بقدر ما »تتهيّب« العرب أو يزيد قليلاً!
وفي نهاية المطاف فإن هؤلاء مثل أولئك »أصدقاء« يحفظون الود ولو أخطأ معهم »الصديق الكبير«..
كل ذلك، بالمنطق الأميركي، من أجل إنقاذ »المسيرة السلمية« التي تعهدت برعايتها وقدمت الضمانات والتطمينات والتأكيدات خطياً وشفهياً للطرف الأضعف فيها، والذي سلَّمها زمام أموره ونام على جمر انتظاره!
وبحسبة أولية وسريعة يبدو وكأن »السلام« الإسرائيلي قد بات أبهظ كلفة على العرب من الحرب ذاتها.
فإسرائيل لم توقف الحرب، ضد العرب مجتمعين، يوماً واحداً: إن صمتت المدافع أو لجم الطقس الغارات الجوية على جنوب لبنان، استمرت الجرافات تزيل آثار فلسطين وأهلها لتقيم المزيد من المستوطنات لجنود الحروب المقبلة ضد أصحاب الأرض الأصليين داخل فلسطين ومن حولها.
والولايات المتحدة الأميركية تقدم لحرب المستوطنات الإسرائيلية ما كانت تقدمه دائماً، من دعم للحرب الإسرائيلية ضد الجيوش العربية: إنجادها بإمدادات سريعة وفعالة بحيث تعدل في مسار المواجهة بما يكفل النصر (السياسي والاقتصادي والعسكري) للحليف الاستراتيجي الثابت، بمعزل عن مشاعر »الأصدقاء« العرب الذين يزدادون خضوعاً بقدر ما يتزايد عجزهم، والعكس صحيح.
ولقد ذهب العرب إلى إخوتهم في الدين يستنجدون بهم وهم يحملون القدس الجريح، فإذا بعبد المعين ينتظر هو نفسه العون، على حد قول المثل، وإذا السقف الأميركي يضغط على الرؤوس جميعاً فلا يرتفع بينها رأس حتى لا يتهم بالارهاب أو برعايته أو بتشجيعه ولو ضمناً.
… وإذا النقص في الروح المقاتلة عند العرب هنا لا يوازيه إلا النقص في الروح المقاتلة عند المسلمين هناك،
وكما تنتهي المؤتمرات العربية الطارئة أو الاستثنائية، ناهيك بالعادية ببيانات مصاغة بكلمات مبتورة أو ممطوطة ومفرغة من المعنى أو خرساء كذلك جاء البيان الختامي للقاء إسلام أباد، مؤكداً أن المسلمين من غير العرب ليسوا أكثر شجاعة من الذين حملوا إليهم الرسالة وهدوهم إلى الدين الحنيف.
و»العذر الفلسطيني« جاهز دائماً: لن نزايد على إخوتنا الفلسطينيين فهم أدرى بما يفيد قضيتهم، ولن نتقدمهم فنخسر ولا يربحون!
* * *
لا مساحة في الصحف الغربية للخبر العربي إلا إذا كان مكتوباً بالدم،
… فإذا كان الدم عربياً توارى الخبر، تواضعاً، في الصفحات الداخلية وتم تجريده من السياسة بحيث يظهر وكأن الضحايا سقطوا في كارثة طبيعية أو في تصادم بين قطارين!
أما إذا كان الدم إسرائيلياً فإن الخبر يحتل صدر الصفحات الأولى وتضفي السياسة على ضحاياه هالة من القداسة وكأنهم آخر البشر في المعمورة، ويفرض الحداد على الكون كله، بعد أداء فروض الشجب والإدانة ودمغ العرب والمسلمين بالإرهاب بالفطرة والتكوين وليس لأي سبب آخر!
وهكذا فلا يتاح للعرب أبداً أن يكونوا ضحايا الآخرين، إسرائيل أو الفيتو الأميركي، أو السياسة العوراء للمجتمع الدولي الذي لا يتورع ويتردد في فرض عقوبات مميتة على عدد من الشعوب العربية بذريعة معاقبة حكّامهم بينما يتردد في إدانة إسرائيل على أي من جرائمها اليومية، ولا يستذكر أبداً قراراته المعتقة فيطالبها بتنفيذها، ولو متأخرة أجيالاً عن موعدها الأصلي.
مع ذلك يتهافت العرب، أو بعضهم، على الإسرائيليين، بوصفهم الباب إلى الدنيا، وإلى مركزها الكوني واشنطن،
وبين الحكايات الموجعة، على ركاكة بطلها، أن سفيراً لدولة عربية شمال أفريقية في باريس، أقام حفلة بينما مؤتمر إسلام أباد في ذروة نشاطه وفاجأ المدعوين إليها بسفير إسرائيل يتصرف وكأنه ضيف الشرف، أو في بيته… ولم يرف له جفن حتى وهو يرى معظم زملائه من السفراء العرب ينصرفون كل بعذر ملفق حتى لا يصافح يداً ملطخة بدمه!
* * *
إن العرب محاصرون بإرهابين: الفيتو الأميركي والمدفع الإسرائيلي.
ولا مفر من المواجهة، مهما بلغت التنازلات.
وإذا كان النموذج اللبناني في المقاومة المسلحة للاحتلال الإسرائيلي يحضر بكثير من الاعجاب والتقدير، فإن النموذج السوري في الصمود ورفض الشروط الإسرائيلية الميهنة لسلام أشرف منه الحرب يستقطب المزيد من التأييد الدولي… خصوصاً من تلك الدول التي يذلها الفيتو الأميركي أكثر مما يستهدفها التطرف الإسرائيلي وحربه الاستيطانية المفتوحة.
ومؤسف أنه لم يبق لدى العربي ما يكتب به ظلامته إلا دمه، وأن يدمغ الضحية وهو يتفجر بالظلم والمهانة بتهمة الإرهاب.. حتى من أهله أو من بعضهم.
والحرب مفتوحة، بعد، ولن يوقفها إلا حضور طرفها الثاني المغيّب نفسه.

Exit mobile version