طلال سلمان

حرب ضد بغداد حرب ضد بيروت ودمشق

الأحزان عراقية.. لكن الهموم اللبنانية تتكاثف وتثقل وطأتها السياسية على كاهل هذا البلد الصغير الذي يعيش أهله اليوم حالة من التوجس والقلق من أن تكمل إسرائيل في بيروت ما تستهدفه الحرب الأميركية ضد بغداد، أو أن تفيد منها لتعزيز هجومها الدبلوماسي شكلاً، والاستراتيجي بمضمونه، والموجَّه ضد لبنان بذاته وضد سوريا فيه وعبره بطبيعة الحال.
ولقد تزايدت المؤشرات على اقتراب موعد الهجوم الإسرائيلي، خصوصاً بعد دخول واشنطن على الخط وتبرّع السفير الأميركي في بيروت ريتشارد جونز بالإعلان عن »أن هناك تفسيرات عديدة للقرار 425، وأفضل طريقة لحل المشكلة هي عبر المفاوضات«.
وبرغم مسارعة رئيس المجلس النيابي إلى الرد بأن للقرار تفسيراً واحداً، ثم إعلان رئيس الجمهورية أننا »نتمسّك بالقرار 425 وبالقرار 426 أيضاً«، فإن الثابت أن ثمة »جدلاً« وثمة »إجابات أخرى« قد أعطيت لجهات دولية حول هذا القرار، لعلها كانت في خلفية اعتراف الرئيس الهراوي للسفير الأميركي بأنه خائف »لأن كل ما يحصل من تخريب في المنطقة يصب في خانة واحدة هي مصلحة إسرائيل«، ولأن »شبح البلقنة يلوح في الأفق«.
وإذا كان موعد انفجار هذا الجدل، وهو داخلي وخارجي، قد تأجل بعدما أرجأ أمين عام الأمم المتحدة كوفي أنان زيارته التي كانت مقررة إلى بيروت يوم الجمعة الماضي، فإن ذلك لا يعني أن الهجوم الإسرائيلي على لبنان، وبالقرار 425 هذه المرة، قد ألغي، بل لعله الآن وفي ظل التطورات الخطيرة التي تشهدها الجبهة العراقية، باحتمالاتها المدمِّرة، قد اكتسب مزيداً من »المشروعية« أو من »قوة الدفع« التي ربما فرضته موضوعاً أول أو وحيداً بعد »حملة بغداد«.
وليس الخطر، أو المفاجئ، أن تشن إسرائيل هجوماً جديداً ضد لبنان، أو ضد سوريا، أو ضدهما معاً.
كذلك ليس خطراً أو مفاجئاً أن تحاول إسرائيل استنباط تفسير »جديد« للقرار 425، ثم أن ترتد به على لبنان وقد كان على امتداد عشرين سنة سلاحه الأقوى في وجه عدوانها، ومطلبه الطبيعي المعزَّز بالشرعية الدولية التي لمرة أنجبت نصاً بهذه الصراحة والوضوح والحزم.
إنما يجيء الخطر من تعدد التفسيرات اللبنانية للقرار، أو من تورط بعض أطراف الحكم في القبول مجرد القبول بالبحث عن تفسير جديد لنصه القاطع.
كذلك يجيء الخطر من أن تتوفر للأمين العام للأمم المتحدة »معطيات دولية«، تارة على شكل »معلومات«، وتارة على شكل »تعهدات«، ودائماً على شكل ضغوط مباشرة، »تغريه« بأن يختار المدخل الخطأ للمناقشة في »كيفية« تنفيذ القرار 425.
ولقد شهدت الأسابيع الماضية محاولات حثيثة لتمرير طرح مفهوم مغلوط للقرار الدولي، فجرى الحديث مرة عن »المفاوضات«، ومرة عن »ترتيبات أمنية«، ومرة ثالثة عن قدرة السلطة اللبنانية على تحمّل نتائج الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة.
لم يحمل أحد همَّ لبنان وهو تحت الاحتلال، لكن كثيرين يشفقون على لبنان متى تحرَّرت أرضه… لكأنما الحرية هي مصدر الخطر وليس الاحتلال!
حتى إسرائيل تشفق على اللبنانيين من »حرب أهلية جديدة« قد تتفجر في ما بينهم نتيجة لتحرّر أرضهم وعودة مَن كان منهم تحت نير الاحتلال إلى فيء الشرعية..
وإذا كان الأمين العام للأمم المتحدة قد ألمح إلى »ترتيبات أمنية«، فإن السفير الأميركي قد تحدث صراحة عن »مفاوضات«.
وليس متعباً الاستنتاج أن الهجوم الإسرائيلي بالقرار 425، يستهدف قلب جدول أعمال السلطة في لبنان فتصبح مشكلتها الأخطر والأولى بالحل هي المقاومة وليس الاحتلال، والمشكلة الثانية استيعاب ميليشيا لحد في جيشها وليست حماية شعبها وأرضها وجيشها من الاختراقات الإسرائيلية.
ويوم تقدم المندوب الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة بالمذكرة الشهيرة حول القرار 425 (في 27 كانون الثاني الماضي)، كانت مقدمات الحرب الأميركية على العراق تفرض نفسها بعناوين ضخمة على صدر الصفحات الأولى العالمية، ولم يكن المرء بحاجة إلى ذكاء خارق ليستنتج أن إسرائيل ستبادر فوراً إلى استثمار الضربة الأميركية لبغداد في دمشق مباشرة، وفي دمشق عبر بيروت.
إن الهجوم الإسرائيلي الجديد على لبنان (وسوريا) يكاد يوازي في خطورته الهجوم الأميركي الجديد على العراق، بل هو ينبع منه ويتكامل معه.
وإذا كانت »عاصفة الصحراء« سنة 1991 قد أنجبت »العملية السلمية« التي أطلق عليها بنيامين نتنياهو رصاصة الرحمة، منذ انتصاره الساحق على »فارسها« الأعرج شيمون بيريز، قبل عامين إلا قليلاً، فإن عملية »رعد الصحراء«، أو الحرب الأميركية الجديدة لن تنجب إلا الحرب: على بغداد وعلى دمشق وعلى بيروت، وعلى سائر العرب، بمن فيهم أولئك الذين سيدفعون تكاليفها الباهظة!
ونتنياهو يتصرف وكأن حدود الحرب الأميركية الجديدة سترسم له مداه الحيوي، فتترك له واشنطن أن يقرر ما يراه مناسباً لإسرائيله في كل من فلسطين ولبنان، ومن ثم في سوريا، خصوصاً وقد ضمن الحليف الهاشمي في الأردن.
»سلام« أميركي لبغداد وخلفها كل الوطن العربي. سلام يشبه الموت.
و»سلام« إسرائيلي مستنسَخ خصيصاً للبنان وسوريا. أما فلسطين فعليها »السلام«!
والأمل أن يعي الحكم خطورة اللحظة التي تتهدد المنطقة في مصيرها فيحسن المواجهة ورد الهجوم بالكفاءة المطلوبة.
وأول شروط حسن التصرف في المواجهة أن يوحِّد أهل الحكم كلمتهم، وألا يسمع منهم »المندوب« ثلاثة أو أربعة تفسيرات لقرار واحد.
والبداية أن يصمت الجميع!

Exit mobile version