طلال سلمان

حرب اميركية فكيف تنجح مبادرة عربية

إذا كانت الحرب على لبنان وعبره وفيه أميركية فكيف ستنجح المبادرة العربية ؟
وإذا كانت معظم القيادات السياسية ومعها معظم القيادات الروحية قد تورطت في هذه الحرب فاتخذت مواقف حادة جداً، وقاطعة في انحيازاتها، بحيث إن التراجع بات يعني الهزيمة والخسارة غير المحدودة، فكيف سيتمكّن الباحث عن حل مستضيئاً بشعار لا غالب ولا مغلوب أن يصل إلى ما يوفر أسباب النجاح ل المبادرة العربية ؟!
وإذا كان القادة اللبنانيون، مجتمعين ومنفردين، أكثريين وأقلويين، قد اشتركوا برغم القطيعة وتعاونوا برغم الخصومة على تدمير مختلف مؤسساتهم الدستورية، بالرئاسات والهيئات، فكيف وأين ومن سيتصدى لمثل هذه المهمة الخطرة: إنجاز حل من خارج المؤسسات المعطلة، ثم تقنينه بالتواقيع والأختام الشرعية المطلوبة، وكل مؤسسة تنفي عن المؤسسة الأخرى شرعيتها، و المبادرة العربية لا تستطيع ولا يجوز لها أن تكون البديل من هذه المؤسسات! ثم إنها إذا ما أنجزت حلاً فهي بحاجة إلى هذه المؤسسات لتقنينه ليكون إنجازها دستورياً، وشرعياً وقانونياً، وإن تم تغليفه بالتوافق السياسي.
إن الساحة اللبنانية ملأى، حالياً، بجثث المؤسسات الشرعية: رئاسة الجمهورية، مجلس الوزراء، المجلس الدستوري، بل والدستور نفسه الذي تعددت النسخ المعتمدة منه، أو التفسيرات المتناقضة لنصوصه (التي صيغ الجديد منها بتسرّع وبقصد تقنين المتفق عليه أكثر من قصد الحفاظ على الحيدة والنزاهة والارتفاع فوق الخصومات والحساسيات والخلافات الطائفية والمذهبية التي تتستر وراء قناع سياسي)…
يمكن أن نضيف أيضاً مجلس القضاء الأعلى، والسلك الدبلوماسي.
الأخطر أن المؤسسة الوحيدة التي كان قد جرى استنقاذها أو تحييدها حرصاً على استبقاء مرجعية أخيرة ، ونعني المجلس النيابي، كانت أمس هدفاً لهجوم من الأكثرية لم تكن بحاجة إليه، ولا يمكن أن يؤدي إلا إلى استكمال تعطيل المؤسسات كافة،
بحيث يسهل بعد ذلك إتمام شق البلاد عمودياً وأفقياً، وبالطول والعرض، وفتح الباب أمام ما يمكن تسميته بالفوضى الخلاقة ؟!
… وفي ظل الغياب أو التغييب المقصود لهذه المؤسسات جميعاً كيف يمكن ل المبادرة العربية أن تولد وأن تنمو وتضرب جذورها في الأرض عميقاً لتكون الحل أو أقله المدخل إلى الحل العتيد؟!
هذا كله يعيدنا إلى السؤال الأصلي: إذا كانت الحرب على لبنان وعبره وفيه أميركية (مع استبعاد أي ذكر للحرب الإسرائيلية على لبنان) فكيف ستنجح المبادرة العربية ؟
وإذا كان لبنان، نتيجة أحداث أشبه بالكوارث، يعيش حالة خصومة مع سوريا، تواصل الإدارة الأميركية تحريض بعض القوى فيه لتحويلها إلى عداء مع وعيها بأن ذلك يؤذي اللبنانيين بقدر أو ربما بأكثر مما يؤذي السوريين.
.. وإذا كان قد تعذر حتى اليوم فتح الأبواب لحوار يصفي آثار الخصومة، ويرمم ما تهدم من سوية في هذه العلاقات الأخوية.
… وإذا كانت العلاقات السورية المصرية مأزومة، هذا إذا استخدمنا توصيفاً مخففاً.
.. وإذا كانت العلاقات السعودية السورية قد تجاوزت التوتر إلى قطيعة تكاد تكون معلنة، ولا نعرف إلى أي حد نجح الأمين العام لجامعة الدول العربية في إزالة الحواجز المانعة للتواصل، تمهيداً لتجاوز حالة الخلاف والعودة بالعلاقات إلى سويتها..
فأين هي الركائز التي لا بد منها لتستوي المبادرة العربية واقفة على قدمين ثابتتين، فتستطيع أن تتقدم لتفرض الحل مراعية دائماً بل مستهدفة بلوغ القاعدة الذهبية لا غالب ولا مغلوب ؟!
وبالتأكيد فإن الهجوم بالعريضة على المجلس النيابي، أمس، لا يشكل تسهيلاً للحل، بل إنه يسد الطريق على المبادرة العربية ، وإن كانت جماعة الأكثرية قد اختارت هذا الأسلوب لتحاشي إعلان المسؤولية عن مصرع المبادرة، وليظل بإمكانها أن تلقي بعبء مسؤولية الفشل على خصومها، متخذة لنفسها صورة الطفل البريء الذي لم يكن يعرف أن المزيد من الضغط على اللعبة سيؤدي إلى تحطمها بين يديه، ولن ينفع بعد ذلك الندم.
هل يحتاج الأمين العام عمرو موسى لأن نحرّضه على عدم السقوط في لجّة اليأس؟ وهو بتجربته قد أثبت أنه مضاد لليأس. ربما علينا، مع ذلك، أن نقول له إن بيروت هي المحطة الأخيرة في رحلة تبدأ بالقاهرة وتتوقف طويلاً في الرياض لكي تفتح طريق دمشق ثم يكون الهبوط السعيد في بيروت التي تدهمها الأحزان فلا يكاد العيد يعرف طريقه إليها.
طلال سلمان

Exit mobile version