طلال سلمان

حرب اميركية اسرائيلية سياسيا

لم تكتمل فصول الهزيمة العربية الجديدة على أرض فلسطين، بعد. الاقسى والأمر في الطريق!
وبقدر ما كانت الحرب التي عشنا وقائعها المريعة خلال الثلاثة وعشرين يوماً الماضية »أميركية« بقيادة »إسرائيلية« فإن النتائج المأساوية لهذه الحرب المفتوحة ستكون عربية بعنوان فلسطيني.
وإذا ما اعتبرنا ان هذه الحرب كانت امتحاناً بالنار لرد الفعل العربي على الهجوم الوحشي على اقدس قضية عربية طالما شكلت الرباط الجامع ولو عاطفياً بين مختلف »اصناف« العرب، فإن النتائج جاءت لتغري بحملات عسكرية أخرى على الاهداف المعلنة لهذا »الحلف المقدس« وأولها العراق، وليس شرطاً ان يكون آخرها.
لقد انتهت الجولة الأولى بنصر عسكري كان أكثر صعوبة من التوقع، ولكنه كان مؤكدا بفعل الفارق في القدرات والامكانات بين دولة إسرائيل »العظمى«، وبين الفلسطينيين داخل »السلطة« المحاصرة وخارجها والذين لم يكونوا يملكون ما يمنعون به الاجتياح او يحدون من خسائرهم نتيجة له.
وها قد جاءت لحظة الاستثمار الإسرائيلي الأميركي المشترك لهذه النتائج وتداعياتها المنطقية سياسياً، وقد حددت واشنطن »الشروط« قبل تل أبيب، وهي تكاد تكون بمثابة »رصاصة الرحمة« على السلطة الفلسطينية التي ما زال رئيسها »أسيراً« يُسقى الماء بالقطارة، ويُسمح له من الطعام بما يكفي لعدم موته جوعاً، فضلاً عن كونه معزولاً عن العالم ومحروماً من الاتصال حتى بأعضاء »حكومته« وقيادات »أجهزته الأمنية«.
لا حاجة، طبعاً، إلى الإشارة إلى ان »الانسحاب« الذي تروج له الدوائر الإسرائيلية، وترحب به الإدارة الأميركية، وتريد ان تصدقه جهات عربية حاكمة، هو مجرد اكذوبة رخيصة، وان الجيش الإسرائيلي قد أعاد احتلال الضفة الغربية بالكامل، وانه قد داهم أو هو يداهم الآن وسيداهم غداً أو بعد غد كل غرفة في كل بيت، وكل مدرسة، وكل مؤسسة اجتماعية أو ثقافية فضلاً عن مقار »السلطة« سواء أكانت للخدمات الاجتماعية أو للشرطة والأمن بأجهزته المختلفة.
ولا حاجة للتذكير بأن الاجتياح قد أوقع بين الفلسطينيين مئات الشهداء وآلاف الجرحى، وان عشرات الآلاف منهم باتوا بلا مأوى، فضلاً عن ان آلاف الشبان قد سيقوا إلى معتقلات انشئ بعضها على عجل في صحراء النقب لاستيعابهم، بعدما ضاقت السجون بجموع »المشبوهين« و»المطلوبين« والمتهمين المحتملين، وهم من حيث المبدأ كل من قارب العشرين من عمره من بين الفلسطينيين.
ثم ان المدن قد تم تدمير احياء كاملة منها، وخربت القرى، وعزلت كل مدينة عن الأخرى، وكل قرية عن جوارها، وثبتت نقاط مراقبة على كل الطرق حتى الترابية منها، واطلقت أيدي المستعمرين المسعورين في التنكيل بكل فلسطيني وفلسطينية بغير تمييز..
الأخطر: ان هذه الحرب قد ألغت »السلطة« كقيادة سياسية شرعية، فاعتقلت قيادتها، واسقطت كل الاتفاقات التي كانت تحكم العلاقة معها بدءا باتفاق أوسلو الشهير وانتهاء بخطة تينيت التي انتهت على أيدي الجنرال زيني إلى انذار بضرورة الاستسلام وإلا…
أي ان الإدارة الأميركية تسلك سلوك من نزع الشرعية عن السلطة الفلسطينية، إذ هي تتركها الآن رهينة بين يدي شارون يضغط عليها بقوته العسكرية كما بالعجز العربي الفاضح وبالتخلي الدولي لكي نختار بين الانتحار أو الاستسلام لشروطه التي تقارب الخيانة العظمى لأهداف النضال الفلسطيني.
وأنظمة العجز العربي تطبِّق في هذه اللحظة شعارها التنصلي الأثير على قلبها من مسؤوليتها عن فلسطين، وهو: نرضى من الفلسطينيين ما يرتضونه لأنفسهم!
لقد انفتحت أبواب مرحلة جديدة من مراحل الصراع العربي الإسرائيلي، قد تكون الأعظم بؤساً والأسوأ في نتائجها على المستقبل القريب.
ولن تنفع كل القصائد في امتداح البطولة الفلسطينية وكل المراثي التي قيلت في شهداء فلسطين المقاومين، في التخفيف من عبء الهزيمة الجديدة،
كما لن تنفع »الاعذار« التي تكأكأت حول استحالة المواجهة العسكرية مع »أقوى خامس جيش في العالم« في تخفيف الحكم التاريخي على أنظمة العجز العربية، بغض النظر عن حجم المسؤولية المباشرة التي ستلقى على كاهل القيادة الفلسطينية.
ولنا ان نتخيل سيناريو »المفاوضات« المحتملة، غداً أو بعد أسبوع، بين شارون المزدهي بانتصاره الحتمي (عسكرياً) وبين ياسر عرفات »الأسير« وسلطته »الرهينة« في أرضه الممزقة الاوصال، والمعزول عن شعبه المتناثر بين المعتقلات والمدن والقرى المحاصرة، ومخيمات اللجوء الجديدة، والمستشفيات… ناهيك بالذين سبقوا إلى الشهادة وما بدلوا تبديلا.
ان الهجوم السياسي قد بدأ فعلاً لاستثمار نتائج الحملة العسكرية بانجازاتها المتوحشة.
وأنظمة العجز العربية غائبة عن السمع، في انتظار »الشفاعة« التي سيبذلها ولي العهد السعودي لدى الرئيس الأميركي، خلال هذا الأسبوع، والتي لا تحتاج نتائجها إلى كثير من التحليل والاغراق في الاستقراء. تكفي العودة إلى تصريحات جورج. و. بوش المتكررة عن »شارون رجل السلام«، وعن المطلوب من عرفات، وآخرها ما كرزه على مسامع رئيس حكومة لبنان يوم الأربعاء الماضي.
ان فلسطين تقف مرة أخرى على حافة دمها، وهي تتلقى الهزيمة الجديدة، التي سيكون مقدراً لها ان تغير في هذا الواقع العربي المهين، ولو بعد حين.

Exit mobile version