قطاع غزة ـ حلمي موسى
تخوض اسرائيل في سوريا حربا من طرف واحد علما أنه يصعب على الكثيرين تسميتها حربا. هي بالأحرى غارات لا تتوقف وهدفها تدمير المقدرات السورية عسكريا واستراتيجيا والتي تراكمت على مدى لا يقل عن نصف قرن. هي حرب غير معلنة لأنها لا تجد في المقلب الآخر من يصدها او يناكفها سوى البيان الصادر عن بعثة سوريا في الامم المتحدة وبيانات الادانة العربية.
في الواقع، توفرت لاسرائيل فرصة تاريخية لجباية ثمن باهظ من سوريا، لا يقل عن اخراجها فعليا من دائرة النفوذ والتأثير. ورغم القناعة بأن سوريا لا بد ستسترد مكانتها الاقليمية والدولية وبأنها ستبقى، كما كانت ابدا، قلب العروبة النابض، فإن هذا لا يمنع اسرائيل من محاولة الاستفادة من اللحظة والفرصة التاريخية. فسوريا كانت تمتلك واحدة من أضخم قوات الدفاع الجوية في الوطن العربي بأسره. كما انها كانت تمتلك جيشا بعدة وعتاد يمكن لأي دولة أن تتفاخر به. لكن كل هذا بات في مهب الريح بفضل استباحة اسرائيل للاجواء والاراضي السورية.
إلا أن إسرائيل لا تطمح فقط من خلال ما تفعله إلى تجريد سوريا من قوتها العسكرية، بل هي تبذل كل جهد لتفتيت سوريا وجعلها نموذجا يمكن تخويف آخرين به. فاسرائيل تعلم جيدا أن النظامين الأردني والمصري يخشان أن يكون مصير نظامهما مشابها لمصير النظام في سوريا. ولذلك هي تتشاور مع الأنظمة في هذه الدول وتحسب الحسابات وغيرها لتلافي مثل هذا الخطر كما أنها تعمل على الاستفادة من هذا التخوف.
كما ان اسرائيل تنظر الى سوريا من خلال منظار التفتيت عبر ما تسميه العودة الى حلف الاقليات. فإسرائيل ترى أن وجود اسلاميين سنة في الحكم في دمشق سيستعدي عليهم الاقليات المسيحية والعلوية والدرزية والاكراد في مناطقهم المختلفة. وهذا ما يشكل فرصة جيدة لاسرائيل لتعزيز منطق التفتيت.
إلا أن اسرائيل تصطدم في هذا السياق بمنطقين متناقضين. الاول هو الهوية القومية لسوريا. وقد سبق أن حاول الاحتلال الفرنسي تفكيك هذه الهوية وتقسيم سوريا ولكنه فشل. ومن المنطقي الافتراض أن مصلحة السوريين في وحدة اراضيهم وخوفهم على مستقبلهم سيجعلهم يتغلبون على الشكوك المتبادلة ما سيقودهم الى مستقبل موحد.
أما المنطق الثاني فهو المنطق الخارجي الرافض تقريبا لتفتيت سوريا. فالدول العربية المحيطة بسوريا لا مطامع لها في هذا البلد وربما تكون تركيا، بعد اسرائيل، الدولة الوحيدة التي لديها بعد المطامع. لكن تركيا الطامحة للعب دور مركزي في قيادة الشرق بعد أن عجزت عن احتلال مكانتها في الغرب لا تود حاليا فتح باب تغيير الحدود. وهي ترفض الكيان الكردي بجوارها وأعلنت تمسكها بوحدة سوريا. ولذلك من المنطقي الافتراض أن الصراعات في سوريا ستكون بين تيارات وحدوية وانفصالية. ولكن الغلبة ستكون الى جانب الوحدويين بشرط ان يكون القاسم المشترك بينهم برنامجا سياسيا ديمقراطيا يقود الى عقد اجتماعي يحفظ كرامة المواطن والتبادل السلس للسلطة.