طلال سلمان

حرب»الإتفاق«وحروب»الترويكا«..

مع ان »اتفاق الخليل«، المتوقع والمكشوفة مخاطره، قد نقل النار الاسرائيلية الى أبواب منازل اللبنانيين، فإن هواجسهم الآن تتركز على ضرورة الوصول الى »اتفاق« يوقف حروب »الترويكا« لكي يواجهوا، بالحد الأدنى من الوفاق، النتائج المرتبة على الانتصار الكبير الذي حققه التطرف الاسرائيلي بقيادة بنيامن نتنياهو..
وبرغم الشكوك التي تساور اللبنانيين حول كفاءة قيادتهم السياسية فإنهم لا يريدون أن يصلوا الى افتراض ان مسلكها المريب هذا هو أشبه برسالة موجهة الى الرئيس السوري حافظ الأسد مفادها: »اذهب انت وربك فقاتلا، إنّا ها هنا قاعدون..«.
فلطالما تصرفت القيادة السياسية في لبنان وكأنها تستطيع ان تدير ظهرها للخطر الاسرائيلي، مروّجة ان القيادة السورية هي المعنية بإدارة الصراع (والمفاوضات)، وأن ليس عليها هي غير التأييد والمباركة والاعلان المتكرر بالتزام وحدة المسارين.
وبغض النظر عن النيات، فإن أطراف »الترويكا« يبدون غارقين ومستنزفين في حروبهم التي تفجرت فجأة (؟!) بحيث لم تستبق لديهم القدرة ولا الوقت ولا الاعصاب لمتابعة ما يجري خارج خطوط »الجبهات« الملتهبة بين »عين التينة« و»بعبدا« مروراً ب»قريطم«، وبالعكس.
وربما من باب التهوين على الناس في محاولة ساذجة لطمأنتهم، يصدر عن بعض هؤلاء الأركان ما يفيد ان احتمالات الحرب (مع اسرائيل) »مزحة«..
.. أو ربما لأنه يرى ان »الحرب« الحقيقية التي تستحق تركيز الجهد هي هذه الجارية على قنوات التلفزيون (المحلية والفضائية) وأعمدة الصحف التي تفضل ان »تسلّي« قراءها بطرائف سياسييهم بدل ان تشغل بالهم بالمخاطر المصيرية الداهمة..
في أي حال، وحتى لا نغرق في المستنقع نفسه، لا بد من التوكيد ان بنيامين نتنياهو لا يحتاج الى »اعلان الحرب« المعلنة فعلاً والمفتوحة والمستمرة أبداً..
والحرب معلنة ومفتوحة ومستمرة، في فلسطين وعليها، وعلى سوريا وفيها، بدءاً باستمرار الاحتلال وزيادة المستوطنات والمستوطنين في هضبة الجولان، والمناورات العسكرية الدائمة فيها وصولاً الى التفجير الارهابي لحافلة الركاب المدنية في قلب دمشق؟.. وكذلك هي معلنة ومفتوحة على لبنان وفيه بدءاً من أقصى نقطة محتلة الى أقصى مدى يبلغه الطيران الحربي الاسرائيلي يومياً في الفضاء اللبناني، من دون ان ننسى »حوادث الإخلال بأمن الدولة« او التفجيرات التي توالت في بعض الأنحاء، وآخرها الاعتداء على السيارة السورية في طبرجا.
ليست الحرب الاسرائيلية »مزحة« إلا لمن يعتبر ان الاولى بالاهتمام والاستنفار وإعلان حالة الطوارئ هي »حروب الترويكا« التي لا تهدأ حتى تعود الى التفجر، فإذا ما تفجرت اعيدت تهدئتها بتوزيع جوائز ترضية على »المغبونين«..
الحرب الاسرائيلية مفتوحة ومعلنة ومستمرة: سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، أمنياً وسياحياً وإعلامياً وثقافياً.. ولا يمكن قراءة »اتفاق الخليل« إلا كجولة جديدة في هذه الحرب التي تستهدف الآن آخر قلاع الصمود العربي ممثلة بسوريا ومعها لبنان.
المستوطنات الاسرائيلية التي تلتهم يومياً المزيد من الارض الفلسطينية (الموعودة بالتحرير!) ليست شيئا آخر غير الحرب، سواء بزيادة أعدادها او بتوسيع رقعة القائم منها، او باستقدام المزيد من المستوطنين من أقصى اصقاع الأرض لزرعهم مكان اصحاب الارض الأصليين وطي صفحة الحديث عن »حق العودة«، وتكثيف الضغوط الدولية (والعربية؟!) لتوطين اللاجئين الفلسطينيين حيث رماهم الشتات وإسقاط هويتهم الاصلية عنهم وحقهم في ارضهم، في الحال والاستقبال، وسواء أكانوا ممن طردوا في العام 1948 او 1967 أم بعد ذلك وحتى يومنا هذا.
أما الحرب الاسرائيلية ضد سوريا فمعلنة جهاراً نهاراً، تدوي بها الاذاعات ومحطات التلفزيون ووكالات الانباء العالمية نقلاً عن بنيامين نتنياهو شخصياً وأركان حربه من مدنيين وعسكريين، وما تقصر عنه تل ابيب تكمله او تظهره واشنطن كما تبدّى من خلال صفقة السلاح العتيدة مع جنوب افريقيا.
وأما الحرب الاسرائيلية ضد لبنان فلا تحتاج الى اكثر من السمع والبصر.
… وأما حروب »الترويكا« فوحدها التي تحتاج الى إعمال العقل والتفكير العميق والاجتهاد والتخمين واللجوء الى الاستدلال المنطقي والتحليل النفسي وقراءة الافكار والضمائر والاستخارة واستشارة النجوم في سمائها العالية.. لعل وعسى تبلغ باب الفهم وفك طلاسم هذه التركيبة العجيبة في اتفاقها أكثر مما في اختلافها!
في أي حال، فلعل المكسب الوحيد الذي تحقق للبنانيين هو إجماع أطراف »الترويكا« على اعلان موتها، وعلى الاعتراف بأنها كانت بدعة مؤذية، أضرت بالدستور وعطلت القوانين وأباحت التجاوز وحللت الحرام وخلخلت بناء هذه الدولة المحكومة بأن تظل أبداً »قيد التأسيس«..
يكفينا ان تكون هذه آخر حروب »الترويكا« لنهلل فرحين بانتهاء عصر الارتكابات والاختلاسات والنهب المنظم والصفقات »المخصوص« للمحظوظين.
لعلنا اذا ما انتهت »الترويكا« وحروبها العبثية المنهكة نستطيع الالتفات الى الحرب المعلنة المفتوحة والمستمرة والتي ستتعالى ألسنة نيرانها بعد »اتفاق الخليل« لتطال الجميع بغير استثناء.
وغني عن البيان ان بنيامين نتنياهو ليس معروفاً بالميل الى »المزاح«، ولا سيما مع الذين يضعهم في خانة أعدائه حتى لو توهموا انهم ربما باتوا خارجها.. نتيجة توصية من اصدقائنا الكبار في عواصم القرار!

Exit mobile version