طلال سلمان

حذار نصائح لارسن

كلما شرّفنا السيد تيري رود لارسن بزيارة وضع اللبنانيون أيديهم على قلوبهم: فقد عوّدنا هذا الموفد الدولي الجزيل الاحترام أن يتجاوز طبيعة مهمته، بل وطبيعة وظيفته، وأن يدس أنفه في ما لا يعنيه، مما نزع عنه هالة النزاهة المفترضة في من يشغل مثل هذا المنصب السامي وبالتالي جعله يبدو كأنه »طرف« في اللعبة السياسية الداخلية عموماً، وفي ملف العلاقات اللبنانية السورية بشكل خاص.
وهو قد عوّدنا أن يأتي في لحظات فاصلة، فيتبرّع بنصائح حيناً، ويتطوّع لتقديم معلومات »سرية جداً« حيناً آخر، ويدلي ولو من دون أن يُسأل بتقديراته للموقف الأميركي، بوصفه »من المتصلين« بمكمن السر في الإدارة الأميركية، وقد يمد تحليله ليشمل الموقف الفرنسي، مع توصيات وتنبيهات دائمة حول أخذ القرار الإسرائيلي في الحساب، وقبل أي قرار لبناني.
ما يهمنا من الزيارة الجديدة للسيد لارسن ألا تحمل أي شغب على المناخ الذي توفر بما يشبه الأعجوبة لمؤتمر الحوار الوطني، والذي شكّل مصدراً للأمل باقتراب الفرج عند اللبنانيين عموماً، مع وعيهم أن ما ينتهي إليه المؤتمرون من »توافقات« أولية ليس هو »الحل« وإنما هو مدخل إجباري إلى الحل.
ولأن الموضوع الذي استغرق البحث في الجلسة الأخيرة لمؤتمر كان يتصل بمسألة رئاسة الجمهورية وكيفية »تحريرها« من إميل لحود، فإننا نخشى أن يضخ السيد لارسن معلومات خاطئة أو مضللة من شأنها زيادة التعقيدات التي تحيط بهذا الموضوع الحساس.
ونفترض أن خلاصات الحوار في هذا الأمر قد أكدت بعض البديهيات التي لم تكن غامضة في أي يوم وإن كان بعض القوى السياسية قد حاول تجاهلها، ثم اصطدم بجدار الواقع فاضطر إلى تعديل التكتيك، مع الإصرار على الهدف نفسه.
بين هذه البديهيات أن »خلع« رئيس الجمهورية أمر يتجاوز قدرة القوى التي ترفع هذا الشعار، محلياً.
وبينها أن مثل هذه المهمة ليست شأناً بحت محلي، بل للعرب فيها نصيب (أقله السعودية ومصر) و»للدول« فيها نصيب (وبالتحديد الإدارة الأميركية والرئاسة الفرنسية).
ثم إن لسوريا رأيها في هذا الأمر، خصوصاً أن القائلين بخلع »الرئيس« يعتبرون هذا الإنجاز بمثابة تتويج لحملتهم من أجل التغيير، تحقيقاً للشعارات التي ملأت سماء لبنان: »سيادة، حرية، استقلال«.. والتي أضيفت إليها في وقت لاحق جوائز ترضية مثل »الديموقراطية والوحدة الوطنية«.
وبالتالي فقد بات شعار »خلع الرئيس« في ظل التصادم مع سوريا بمثابة مضي بالحرب إلى النهاية، برغم أن الواقع كشف استحالة تحقيق مثل هذا الهدف، لأنها تهدد التوازن الهش في البلاد، وقد تفجّره، إذا قرّر حملة الشعار المضي قدماً في هذا الاتجاه، من دون التفاهم مع الطرف الداخلي الآخر أو بتحديه.
وقد يكون اللبنانيون بمجموعهم متشوقين إلى التغيير، بل مؤكد أنهم يجمعون على إعادة نظر شاملة في النظام لإصلاح وجوه الخلل فيه، في السياسة كما في الاقتصاد، وفي الاجتماع كما في الإدارة إلخ…
من هنا فقد يكون من الخطأ السياسي أن يُطرح موضوع الرئيس منفصلاً عمّا عداه من مسائل تهالك السلطة والفساد في القانون الانتخابي وبالتالي في التمثيل الشعبي، وصولاً إلى موقع لبنان بحكم هويته ودوره في منطقته.
ولا بد من مراجعة جدية للشعارات التي طرحت وفيها تجاوز لموقع لبنان الذي لا خيار له فيه في الصراع العربي الإسرائيلي (حتى لو خرج أو أخرج منه من أخرج) حماية لشرف مقاومته وللدم الذي أريق من أجل تحرير المحتل من أرضه، وبالاستطراد حماية لمستقبله من مخاطر ما يتهدد فلسطين على يد التطرف الإسرائيلي الذي يكاد يكون الآن في ذروته، فضلاً عمّا يتهدد العراق في وحدة كيانه السياسي ووحدة شعبه من مشاريع للفتنة والتقسيم والشرذمة، »بأفضال« الاحتلال الأميركي.. من أجل الديموقراطية!
لهذا كله فمن حسن الفطن التنبّه إلى ما قد ينشره تيري رود لارسن من تحليلات وتقديرات موقف، وما يهمس به في آذان بعض »أصدقائه«، وكل ذلك قد يتسبّب بالتشويش على ما أنجزه الحوار، في مرحلته التمهيدية، وما هو متجه لإنجازه، بما يسمح بوصول »النجدات« التي قد تحسم الأمور العالقة داخلياً في انتظار التفاهم بين »الكبار« على كيفية إعادة توزيع مناطق النفوذ في المنطقة…
وهو أمر يتجاوز قدرات اللبنانيين كائنة ما كانت نصائح تيري رود لارسن.

Exit mobile version