طلال سلمان

حديث بالأرقام عن الأنتاج والدخل والأنجازات محمود الزغبي:الناتج المحلي ازداد في ربع قرن الى 900 مليار “المعاهدة مع لبنان نموذج أيجابي لفعالية التعاون”(صور)

{ دولة رئيس مجلس الوزراء المهندس محمود الزعبي… المشهد السوري الراهن بعد خمس وعشرين سنة من البناء والتنمية والتطوير في سبيل سوريا المنيعة القوية… الى أين وصلتم بورشة إعمار سوريا؟
بين مشهد سوريا في عام 1970 ومشهد سوريا في عام 1995، تباين كبير، فثمة مسافة ربع قرن من الزمن، أمكن خلالها للعقل الذي خطط، والانسان الذي نفذ، وللمجهود الشامل الذي بذل، أن ينقل سوريا من بلد صغير بجغرافيته وسكانه واقتصاده وإمكاناته وقواه المادية والمعنوية، من بلد صغير الحجم إلى بلد كبير الحجم، وذلك بفضل النهج التعددي سياسيù واقتصاديù، الذي رسمه قائد البلاد السيد الرئيس حافظ الأسد، هذا النهج الذي حرّض كل فكر مبدع، وموهبة خلاقة، وطاقة منفذة. إن الصفحة الحافلة التي نقرأها الآن لها عنوانان كبيران؛ شعب متميز، وقائد تاريخي. الشعب هو الشعب السوري، والقائد التاريخي هو الرئيس حافظ الأسد.
وكي أوضح لك ما سبق بلغة وثائقية، أقول: كانت سوريا قبل عام 1970 بلدù تعداد سكانه لا يتجاوز ثلاثة ملايين نسمة، والآن بلغ هذا التعداد ما يقارب أربعة عشر مليونù، وهذا النمو السكاني مهم في موازين توفير القوة الإقليمية والانتاجية والدفاعية، مع السيطرة عليها كي لا تتجاوز المعدل، لأن التجاوز له مشكلاته الاستهلاكية والخدمية، ويتطلب خطة تنموية تتوازن فيها الحاجات مع القدرات والإمكانات المستثمرة والطاقات المنتجة، لقد كان الناتج المحلي الإجمالي في سوريا قبل عام 1970، لا يتعدى مائتي مليون من الليرات السورية، وأصبح الآن في عام 1995 حوالى تسعمئة مليار من الليرات السورية. كان القطاع العام ناشئù فتيù يتحرى مواقع خطاه، بين ظروف الخطأ والصواب، وكان القطاع الخاص محدود الإمكانات وأصبح القطاع العام الآن محور الصناعات الرئيسية الكبرى، وانطلقت استثمارات القطاع الخاص انطلاقة ما تزال ذات طابع تحويلي ووسيطي، وهذا أمر لا بد منه في البداية، ولكننا نشهد الآن بروز الاتجاه لدى القطاع الخاص الأكبر حجمù نحو الصناعات. إن القطاعات الثلاثة: العام والخاص والمشترك تغطي بفعالياتها شيئù فشيئù متطلبات الصناعة في جميع الميادين بدءù من استكمال البنى التحتية ومرورù بإقامة الصناعات التحويلية وانتهاءً بالصناعات الثقيلة والتكنولوجية، كانت الزراعة قبل عام 1970 تتلمس خطاها في بلد عريق زراعيù، وتحتاج إلى نقلة على صعيد تحديث الثقافة الزراعية ووسائلها واستثماراتها، وأصبحت الزراعة الآن، بفضل السدود الكبرى والوسطى والصغرى والشبكات المائية الملحقة بها، والاستصلاحات الواسعة للأراضي التي تدخل بآلاف الهكتارات في مجال الإرواء والاستزراع والاستثمار، وبفضل الأسعار المجزية التي توفر الدخول الكبيرة للفلاحين والمزارعين، والآليات الحديثة التي يسمح باستيرادها للجميع وبالانتاج الذي يتزايد كل عام بأرقام لم تكن متوقعة، أقول أصبحت القفزة الزراعية هي الظاهرة التي تلفت أنظار المراقبين لوضع سوريا الاقتصادي، وقد أدى هذا النجاح إلى إيقاف الهجرة من الريف إلى المدن وظهور هجرة معاكسة للأموال الموظفة والأيدي العاملة الزراعية، وإلى خلق استقرار اقتصادي واجتماعي في الريف الذي توفرت له جميع الخدمات، التي تشمل الطرق ومياه الشرب والكهرباء والهاتف وشبكات الصرف الصحي والمدارس والمستوصفات والمراكز الصحية، وتوفر السياسة الزراعية المتبعة الآن في سوريا، الاكتفاء الغذائي وتؤدي إلى تحقيق فائض إنتاجي في الحبوب والأقطان والخضار والفواكه يصدر إلى الأسواق الخارجية. كانت الخدمات في سوريا قبل عام 1970 محدودة حتى داخل المدن الكبيرة الأساسية، ويتجلى الفرق الآن في الأوتوسترادات والسكك الحديدية والمرافئ والمطارات والطرق بين المدن والأرياف وداخل الأرياف، ومشاريع التوليد والتوزيع الكهربائية والسدود المائية والكهربائية والمدارس الابتدائية والاعدادية والثانوية وجامعات في دمشق وحلب وحمص واللاذقية والكليات والأقسام الدراسية في مختلف المحافظات، والمستشفيات والمستوصفات والمختبرات والمراكز الصحية والشبكات الهاتفية الحديثة، ومختلف الخدمات الأخرى. وتسألني إلى أين وصلت ورشة الاعمار، أقول لك إن هذا الحجم الاقتصادي والخدمي الكبير الذي بلغته سوريا، نقلنا إلى ما بعده، فإذا بنا أمام متطلبات وأهداف جديدة نرسمها ونلاحقها لأن العالم يتطور، والأوضاع الاقتصادية تتفاعل في العالم، ومطامحنا وخططنا التنموية الجديدة تضعنا أمام آفاق تتسع وتتسع باستمرار. أعود بالحديث لأقول هذا ما تحقق في الجانب الاقتصادي، أما في الجانب الاجتماعي وعلى الأخص السياسي، فالمشهد يتجلى الآن في النظام الديموقراطي الذي أقامته سوريا بعد التصحيح والذي نهض على مفهوم التعددية في الحياة السياسية، فشكلت الأحزاب السورية التي كانت قائمة في حينه، وفقù لميثاق وطني، الجبهة الوطنية التقدمية، ولم تقتصر حرية ممارسة العمل السياسي وحرية التعبير عن الرأي والموقف، على هذه الأحزاب؛ بل أتيح للمستقلين ممارسة هذه الحرية، ليصبح مجلس الشعب ممثلاً لجميع الفئات والشرائح الاجتماعية، وكذلك المجالس والمكاتب التنفيذية والوحدات الادارية في المحافظات، واستقطبت المنظمات والنقابات المهنية الشعبية العمال والفلاحين والمعلمين والأطباء والمهندسين والحرفيين والشبيبة، كما فتح الباب على مصراعيه أمام المرأة لتتحرر من قيودها القديمة ولتساهم في الحياة العامة، في البناء والعمل والانتاج. لقد أقيم نظام ديموقراطي يعتمد على التعددية السياسية والاقتصادية. ومن أجل تعزيز دور سوريا القومي، ودفاعها الوطني، حظي الجيش بفعالية مركزة تدريبù وإعدادù وتوسيعù وتسليحù، وتطويرù للأسلحة الحديثة باستمرار، وذلك لمواجهة تحد صهيوني تحملت سوريا عبئه الأكبر.
وألخص لك المشهد بعبارة واضحة، بقدر ما كانت ثورة آذار في عام 1963 انعطافù مهمù في حياة سوريا، كانت الحركة التصحيحية التي قادها السيد الرئيس حافظ الأسد تصحيحù جوهريù لها، فالنهج السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والدفاعي الذي رسمه القائد الأسد، هو الذي منح سوريا كل هذا الحجم، وكل هذا الدور في الحرب والسلام، وهو الدور الذي يحفظ للعرب ليس ماء وجههم فقط، بل كرامتهم القومية.
الإجراءات والتسهيلات
{ شهد الاقتصاد السوري في السنوات الأخيرة تطورù لافتù للنظر بعد الاجراءات والتسهيلات التي اتخذتموها لإعطاء فرص متساوية لجميع فعاليات المجتمع، هل تحدثوننا عن هذه الاجراءات والتفاعلات التي أحدثتها؟
أجل، لقد أدى صدور القانون رقم 10 لعام 1991، إلى انطلاق فعاليات القطاع الخاص انطلاقة كبيرة في إقامة مشاريع تركز أغلبها على القطاع الصناعي، لقد بلغ عدد المشاريع المقامة حتى الجلسة التاسعة للمجلس الأعلى للاستثمار لهذا العام 1995 (1395) مشروعù، وبلغت التكاليف الاستثمارية لهذه المشاريع ما يقارب 283 مليار ليرة سورية، منها ما يقارب 194 مليار ليرة سورية بالقطع الأجنبي أي ما يقارب أربعة مليارات دولار. هذا القانون وما رافقه من إصلاحات إدارية ومصرفية ونقدية وتسهيلات شملت الأنشطة المنتجة العاملة في التجارتين الداخلية والخارجية، أي عمليات الاستيراد والتصدير، أدى ذلك كله الى دخول طاقات وإمكانيات جديدة في ميادين الصناعة والزراعة والسياحة والنقل وغيرها، كما ساهمت الاجراءات التي اتخذتها لجنة ترشيد الاستيراد والتصدير والاستهلاك إلى توسيع قنوات التصدير، وتنويع المنتجات السورية المصدرة الى الأسواق الخارجية، وأجريت إصلاحات في الادارة الانتاجية لمؤسسات القطاع العام، وألزمت هذه المؤسسات بسياسة أدت إلى تحسين مواصفات الانتاج، وإلى زيادته، وإلى تحقيق فائض للتصدير، وأصبحت معظم مؤسسات القطاع العام ملزمة باستيراد ما تحتاج إليه من مستلزمات الانتاج بالقطع الأجنبي الناجم عن عمليات تصدير قسم من منتجاتها إلى الأسواق الخارجية، كي تكفي نفسها بنفسها وتحقق أرباحù ملموسة ولم تعد الدولة في حاجة إلى تخصيص المؤسسات باعتمادات القطع الأجنبي، أو باستيراد مستلزمات إنتاجها، وأصبحت معايير المحاسبة الاقتصادية وفقù لزيادة الانتاج وجودة الانتاج والربح، هي المعايير التي تقيم بها تلك المؤسسات. ويمكن القول إن الفرص المتاحة أمام القطاعات الثلاثة العام والخاص والمشترك هي فرص متساوية وهي تستقطب إمكانات وفعاليات البلد كله، وهي فرص تتيح نوعù من التنافس الايجابي في ما بينها، عبر خطة تنموية شاملة تؤدي إلى تكاملها في إطار إدارة الاقتصاد الوطني بصورة عامة.
ملاحظات حول التطبيق؟
{ ثمة ملاحظات بعضها جوهري حول تطبيق قانون الاستثمار رقم 10. من هذه الملاحظات أن جميع المشاريع ذات طابع تحويلي استهلاكي، وأن ثمة مستفيدين من هذا القانون في قطاع النقل حيث أدخلت سيارات للاستخدام الخاص تحت يافطة الاستثمار، من دون أن يدفعوا ضرائب أو رسومù جمركية، وغير ذلك. ما تعليقكم على ذلك؟
يعرف الجميع أن الاهتمام لدى الحكومة قبل صدور القانون رقم 10 لعام 1991 كان مركزù على تشجيع القطاع الخاص بمختلف التسهيلات والمغريات. كان مهمù لدينا أن نجعل الخطوة الأولى مزودة بكل الزخم الذي يحرك مطامح رأس المال الوطني والرساميل السورية المغتربة والرساميل العربية الراغبة في الاستثمار، وهذه الملاحظات التي تتحدث عنها تعود إلى الأشهر الأولى التي رافقت تجربة إصدار القانون ووضع التعليمات التنفيذية له. وكانت سوريا تعاني أزمة نقل مستفحلة ومزمنة، وكان المواطنون في المدن والأرياف يعانون معاناة قاسية من هذه الأزمة. والواقع، ان دخول أساطيل النقل البري حلّ بصورة سريعة وفورية هذه الأزمة، قد يكون البعض قد استفاد من هذه الفترة، ولكن المجلس الأعلى للاستثمار الذي كان يقيّم كل مرحلة في حينه، تابع تصحيح التجربة، وأزال كل ما يتعلق بهذه الملاحقات المبالغ فيها، وكل تجربة كما تعلم يتم تصويبها حسب نتائجها لقد أغلقنا جميع الثغرات التي ظهرت في التعليمات التنفيذية، وفي كل قانون تصدره أو تنظيم تضعه لا بد من أن تتحرى فيه الخطأ والصواب، المهم أن التجربة أدت إلى دخول استثمارات كبيرة، وإلى حل أزمة النقل في سوريا حلاً حاسمù وإلى زوال أية أخطاء ظهرت في البداية.
الليرة والدولار
{ حافظت الليرة السورية في السنوات الثلاث الماضية على قيمتها أمام الدولار الأميركي، أو لنقل أمام سلة العملات الأجنبية، ولم تشهد هبوطù أمامه إلا بنحو زائد أو ناقص 2$. نحن بالطبع نقيس على سعر الصرف في الأسواق المجاورة؛ ألا يدفعكم هذا لإلغاء أسعار الدولار الأخرى وتوحيد سعر الصرف؟
يعود الفضل في محافظة الليرة السورية على قيمتها أمام الدولار الأميركي وباقي العملات الأجنبية إلى عدد من الاجراءات الاقتصادية المتكاملة، منها:
1 زيادة الانتاج الزراعي.
2 زيادة الانتاج الصناعي وتحسين مواصفات الانتاج.
3 ترشيد عمليات الاستيراد.
4 السماح لأي قطاع من القطاعات الثلاثة العام والخاص والمشترك باستيراد ما يلزمه، ولكن عن طريق عائد التصدير لكل مؤسسة أو إدارة أو شركة أو أفراد، أي أنه يحق لأي جهة عامة أو خاصة أن تستورد كل ما يلزمها أو ترغب فيه، بالقطع العائد إليها من تصدير منتجات محلية، فكل دولار يخرج من البلد يجب أن يقابله دولار عائد بالتصدير.
5 هذه السياسة التصديرية الفعالة، أدت إلى تحقيق مزيد من التوازن في الميزان التجاري، وغدت قيمة النقد السوري محمية، ولم تعد الليرات السورية مهدورة، بل هي مغطاة بالتوازن في مجال الاستيراد والتصدير.
6 تمّ تحريك أسعار المواد المستوردة بما يتلاءم مع المكوّن الدولاري لقيمها.
7 تمّ تحريك سعر صرف الدولار وفقù لنتائج هذه الإجراءات، فمثلاً كان السعر الرسمي في الماضي 4 ثم 11، وأصبح سعر الصرف للدولار في معظم حالات الصرف 43 ليرة سورية.
8 تمت السيطرة على معدلات التضخم بترشيد الانفاق الجاري والاستثماري للدولة، والتوجه نحو تحقيق توازن أفضل باستمرار بين الواردات المحلية للموازنة العامة ونفقاتها، هذا إلى جانب وسائل أخرى تتعلق بترشيد الاستهلاك.
هذه أمور لها تفاصيلها الكثيرة، أدت إلى ثبات قيمة العملة السورية أمام العملات الأجنبية، وإلى المحافظة على قوتها الشرائية في السوق الداخلية، ويلاحظ أي مهتم بالاقتصاد السوري ان اجراءاتنا تتسم بالتأني ودراسة نتائج كل خطوة بحد ذاتها، فنحن لسنا في عجلة من أمورنا، ولاحظنا ما تجره العجلة من ويلات على بلدان أخرى.. وتوحيد سعر الصرف بصورة نهائية سوف يأتي كتحصيل حاصل للاجراءات الاصلاحية المتواصلة.
العلاقات مع العرب
{ ترتبط سوريا مع عدد من البلدان العربية باتفاقات ولجان ثنائية مشتركة، ولكن حجم التعاون الاقتصادي بين سوريا وبين هذه الدول عمومù لا يزال دون الوسط مثال (مصر سوريا) توجد لجنة عليا وعلاقات سياسية متطورة، ولكن حجم التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي ضعيف، لماذا دولة الرئيس؟
إن ظروف الوطن العربي هي ظروف فريدة، فقد خرجت البلدان العربية من اسار الاحتلال الاستعماري والانتداب، بعد الحرب العالمية الثانية وكانت الأطر الاقتصادية لكل بلد تتمحور على ذاته، لقد أقيم اقتصاد كل بلد على قاعدة قطرية، بينما الواقع الجغرافي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لهذه الأقطار لا يسمح لها بأن تحقق منفردة نموù كبيرù، أو أن تحقق تكافؤù مع الاقتصاديات العالمية، وقد وجه حزب البعث العربي الاشتراكي منذ نشأته أنظار العرب، إلى أن التكامل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتشريعي والاداري، هو الطريق إلى إطلاق فعاليات كل بلد عربي بحد ذاته من ناحية، وإلى إقامة كيان اقتصادي عربي موحد قوي، وإقامة سوق عربية مشتركة من شأنه أن يؤدي بها إلى توحيد أهدافها الصناعية والزراعية وتكامل تجارتها البينية من ناحية أخرى. لقد كانت الدعوة إلى إقامة تضامن عربي، أو عمل عربي مشترك مرتبطة أيضù بإقامة تكامل اقتصادي واجتماعي وتشريعي وثقافي بين البلدان العربية.
وكان اللجوء إلى عقد اتفاقات اقتصادية وتجارية ثنائية بين بلدين عربيين أو أكثر، طريقù من عدة طرق تفضي جميعù بنظرنا إلى مزيد من التقارب والتضامن والتعاون، ويؤمل منها أن تتسع لتؤدي إلى التنسيق والتكامل الاقتصادي، وبالفعل دخلت سوريا مع عدد من البلدان في اتفاقيات ثنائية شملت التعاون الاقتصادي في مجال إقامة مشاريع صناعية أو زراعية أو كهربائية أو نفطية أو سياحية مشتركة وغيرها، وأقيمت لجان عليا تعقد اجتماعات دورية متبادلة في عاصمة كل منها، وتتفرع عنها لجان فرعية لمتابعة الخطوات التنفيذية، ومثال مصر سوريا مثال جيد، فاجتماعات اللجنة العليا السورية المصرية المشتركة، مستمرة بدون انقطاع، وتتابع اللجان المتفرعة عنها تنفيذ الخطوات ويتم تبادل الزيارات واللقاءات وإقامة الاتصالات لمعالجة جميع المسائل المتعلقة بتنفيذ الاتفاقات المبرمة.
المعاهدة مع لبنان
{ الى أين وصلتم في أعمال اللجان المنبثقة عن معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق بين سوريا ولبنان، ماذا أنجزتم؟ وماذا في جعبتكم للمستقبل؟
إنها تسير سيرù حسنù، مدخلة في الحساب العوامل التي تتحكّم باقتصاد كل من البلدين، وفي اعتقادي أن المجالات المفتوحة أمام الامكانات والثروات في البلدين الشقيقين تتيح للمستثمرين الباحثين عن ميادين لتوظيف للرساميل والربح، الفرص التي يبحثون عنها. إن اللجان المنبثقة عن معاهدة الأخوة والتنسيق تعمل على تنفيذ عدد من الاتفاقيات تشمل التجارة والسياحة.
ولا نستطيع أن ننسى أن لبنان الخارج من أنفاق الحرب الأهلية والذي يعمل بجدية ونشاط على إعمار البلد، قد واجه كثيرù من العقبات والمصاعب قبل أن توضع العجلة على السكة، وبقدر ما كانت سوريا السند والدعم سياسيù وأمنيù للبنان، فإنها حاولت عن طريق الشركات العامة السورية وبوسائل مختلفة تقديم الدعم الفعلي للبنان، فلبنان يحتل المقام الأول لدى اهتمامات السيد الرئيس حافظ الأسد ولدى الشعب السوري الذي تربطه بالشعب اللبناني روابط اجتماعية وإنسانية قديمة العهد، ولا يمكن لأي منهما أن يحيا ويتقدم ويستمر بعيدù عن التعاون والتكاتف مع الآخر، ويمكن أن نقول إن التبادل التجاري يحتاج إلى مزيد من الفعالية بين الجهات السورية واللبنانية المعنية، كما أن التعاون الاقتصادي بشكل عام يحتاج أيضù إلى مزيد من الاكتشاف للسبل والوسائل التي تجعل هذا التعاون في مستوى التعاون السياسي والقومي، ولكن لا شك في أن العلاقات المتنامية بينهما ترسو على أرض ثابتة من الأخوة العميقة، التي رسختها تجربة السنوات الطويلة الماضية وجعلت الثقة المتبادلة بين الفعاليات والأنشطة وطيدة.
ان التعاون بين سوريا ولبنان الذي قدم أمثلة متميزة في سنوات الحرب الأهلية التي عملت سوريا على إيقافها، كي يحل الوفاق محل كل خلاف وكي يتعزز الأمن والاستقرار، وكي يعود لبنان بمؤسساته قويù معافى سيدù لنفسه ولقدراته ولجميع أراضيه، يمكن أيضù أن يقدم الأمثلة الايجابية على فعالية التعاون الاقتصادي في جميع الميادين وعلى حاجة كلٍّ من البلدين للآخر؛ فسوريا تقوى بلبنان ولبنان يقوى بسوريا وهما يشتركان في مصير، يجب أن يصنعاه بأيديهما وإمكاناتهما.
الاطمئنان الداخلي
{ تخوض سوريا معركة المفاوضات السلمية بصلابة وجرأة تستند في عمقها إلى اطمئنان اقتصادي، من أين جاء هذا الاطمئنان؟ وهل تتعرضون لضغوط من جهات خارجية، أقصد ضغوط سياسية اقتصادية؟
إن محادثات السلام التي استجابت لها سوريا بمبادرة أميركية، كانت استجابة مبنية على تطبيق قرارات الأمم المتحدة وخاصة القرارين 242 و338 وكذلك القرار 425 القاضي بانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان المحتل، إن سوريا تعتبر إقامة سلام عادل وشامل وفقù لمقررات الشرعية الدولية ضرورة استراتيجية. وغني عن البيان، أن من يعرقل محادثات السلام، هو إسرائيل التي ما زالت تلجأ إلى المماطلة والمناورة، ومحاولة الابتعاد عن الأسس التي انطلقت منها هذه المحادثات بدءù من مؤتمر مدريد، وانتهاءً باللقاءات في واشنطن، وكانت سوريا تدعو دائمù إلى موقف عربي موحد في المحادثات وأن لا يسير إليها العرب فرادى، لأن ذلك يلحق بهم الخسارة الفادحة ولا يساهم في إقامة السلام العادل الشامل الذي ينشده العرب، فسوريا في نظر نفسها ليست مجرد بلد عربي فحسب بل هي في المواقف التاريخية تعتبر نفسها مسؤولة عن كل قضية غاب من يعبر عنها، هكذا كانت إزاء القضية الفلسطينية وإزاء كل قضية عربية أخرى. وبقدر ما تحمل سوريا ذاتها العبء القومي، فإنها تواجه كل التحديات بمنظور شامل، وهذا ما يجعلها أمام أعداء العرب الموقع الصعب الذي يحتوي المواقع والمطالب التي تتهاوى، دون مبرر.
ولهذا أيضù يعتبر العالم ان نجاح محادثات السلام مع سوريا أو فشلها في المنطقة ليسا مسألة جزئية، بل هي المشكلة الكلية، لأن السلام مع العرب يعني أولاً وأخيرù تحقيق السلام الحقيقي مع سوريا… وسوريا لا تفرط في المبادئ ولا في الأرض، ولا في الكرامة القومية، لذلك غدت سوريا بالنسبة لكل إنسان عربي معقد الرجاء، ومناط الآمال ومنبع الثقة، أصبحت مواقفها معيارù قوميù لما يجب أن يكون، ولما لا يجب أن يكون، ولعل كلمات السيد الرئيس حافظ الأسد وخطبه ومقابلاته الصحافية تعكس بصورة مفصلة هذا المفهوم الصلب الثابت لموقف سوريا. وهذا ما ينقلنا إلى النهج السوري الذي تتبعه سوريا كي تبقى باقتصادها واستقرار مجتمعها ووحدتها الوطنية واستعداداتها قوة متكافئة مع خيارها القومي، ومع الأحداث والاحتمالات التي تترتب على صلابتها وثباتها في ساحة الصراع، من هنا كان الاعتماد على الذات في التنمية الاقتصادية شعارù نابعù من تجربة سوريا وإدراكها لما قد تتعرض له من ضغوط، وقد تعرضت في الماضي لضغوط سياسية واقتصادية عديدة ولمؤامرات داخلية، وهي وإن كانت في حينها ضغوطù شديدة الوطأة إلا أن قولبة الاقتصاد السوري بقالب ذاتي ساعدها على توفير حاجاتها الرئيسية في كل الظروف؛ ساعدها على امتصاص الصدمات وإبطال تأثير أي ضغط من الضغوط، فالعمق الاقتصادي السوري له أسس خاصة وإمكانات ذاتية رئيسية، واليوم أفضل من الأمس في هذا الصدد، وفي الوقت الراهن لا تواجه سوريا ضغوط الأمس، التي لم تكن ذات جدوى معها، لذلك فإن سوريا تسعى إلى تعزيز التعاون مع بلدان الاتحاد الأوروبي، كما أن تعاونها مع عدد من البلدان الصديقة في آسيا وأفريقيا وأميركا آخذ في الازدياد على الصعيد السياسي الاقتصادي والعلمي والفني، وفي كل يوم يزداد عدد اتفاقات التعاون التي تبرمها مع بلدان العالم. إن علاقات التعاون بين سوريا وبين بلدان عديدة في الخارج تتسع بصورة ملحوظة.
الأب والأخ الأكبر
{ هل تسمح دولة اارئيس بالخروج عن الصيغ الرسمية لنسألكم عن علاقتكم بالرئيس الإنسان حافظ الأسد . ذكريات مشاعر، ماذا تريد أن تقول؟
في الحقيقة، هذا السؤال ينقلني إلى الأوقات التي يستقبلني فيها السيد الرئيس حافظ الأسد، والتي تترك في نفسي أثرù كبيرù، يتداخل فيه الشعور بالراحة النفسية من ناحية، واليقظة الذهنية من ناحية أخرى… إنك تحس معه بالحضور الذي يملأ عليك الزمن، تحس بهيبة القائد الحكيم الذي يلم ويحيط بكل شيء، وبمحبة وحنو الأب أو الأخ الأكبر، والمعلم الذي يرشدك إلى ما تبتغيه بغزارة معلوماته وعمق ثقافته، وقوة منطقه، وأسلوبه الراقي والرفيع وشدة التركيز على الموضوع الذي هو في صدد الحديث عنه، ما خرجت من عنده مرة إلا وعندي شيء جديد أضيف إلى ما أعرفه، زيادة أو تصحيحù أو تصويبù. لا يستطيع أحد أن لا يحب السيد الرئيس، لأنه قبل أن يكون رئيسù وقائدù فهو الإنسان الذي يرفعك إلى مستوى مشاعره السامية المتدفقة ومستوى أفكاره الكبيرة. وتشعر أنه معك في قلبك وعقلك بعمق وثقة واطمئنان.

Exit mobile version