طلال سلمان

حتى لا يفاوضوا علينا

تعوّد الساسة اللبنانيون على »استيراد« الحلول لمشكلاتهم من الخارج، تماماً كما يستوردون ربطات العنق التي يصرّون أن تحمل توقيع المشاهير من المصمّمين ودور الأزياء.
فأما المشكلات فهي من إنتاجهم، ولا فخر..
بل إنهم غالباً ما يفتعلون خلافاً حول البديهيات من أجل استدراج التدخل، تحت عنوان »مبادرة« أو »مسعى خير« أو »تدخل أخوي« أو »نصائح« ملزمة..
ولأنهم من مشارب مختلفة، ولديهم صداقات أو علاقات أو ارتباطات خارجية متعددة، تقع المفاجأة: يجيء العالم كله إلى تفاصيلنا المحلية التي لا تنتهي، ونرى السفراء والموفدين يصعدون أدراجاً أو يتسلقون الجبال أو يجولون بمواكبهم المسلحة على المراجع والزعامات المحصّنة بالمتاريس، ويخوّلون أنفسهم حق الكلام في خلاف عقاري في هذه المنطقة أو تلك، أو في أداء هذه الإدارة وتلك المؤسسة، ويقرّرون للجيش أين يجب أن يكون، وللحكومة كيف عليها أن تعمل لتدعيم وحدتها إلخ..
ولأن »الخارج« مشغول عن تفاصيلنا المحلية، حالياً، ولديه ما يستوجب الاهتمام أكثر منا، فإن الأزمة ستظل تدور في دوامة العجز عن حسمها، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
… مع التحذير من أن قوى كثيرة، دولية صريحة أو مموّهة عربياً تعطي ذاتها أحياناً الحق بتنفيذ ما يفترض أن يناط بالعناية الإلهية.
الخوف أن يستهلك التردد في انتظار »الخارج« جو التهدئة الذي أنتجه مؤتمر الحوار، والذي أمدّ المواطن بشيء من الأمل فبات يفترض أن القيادات السياسية الأساسية في البلاد لا بد ستتوصل إلى حسم أمرها أخيراً فتتولى مسؤولياتها في »اكتشاف« الحلول العملية الممكنة في هذه اللحظة السياسية بالذات.
لقد أبلغت الجهات المعنية جميعاً المؤتمرين بما مؤداه: قرّروا فنحمي قراركم، ولا تطلبوا منا أن نقرّر بالنيابة عنكم.
هذا ما قالته المرجعيات العربية الأساسية لمن سألها رأيها، وهذا ما لا يفتأ يعلنه سفراء »دول القرار« باللسان الأميركي.
لقد استقبل اللبنانيون كل ما اتفق عليه أقطاب الحوار بالترحيب، ولم يعترض على قراراتهم أحد، حتى ممن لم تتسع لهم المقاعد حول طاولة.. الحلول.
وهم سيستقبلون بالترحيب أيضاً إرجاء موضوع الرئاسة، في انتظار التوافق على البديل، ودرس الحلول العملية لسلاح المقاومة من ضمن استراتيجية وطنية للدفاع عن التراب الوطني في وجه التهديدات الإسرائيلية.
لكنهم يريدون خطوات عملية لتنفيذ ما تمّ التوافق عليه، لا سيما في الملف الأهم، والذي يشكّل مفتاح الحلول للعديد من الملفات »المتفجرة«: العلاقات مع سوريا.
ويمكن اعتبار كلام سعد الحريري، بعد لقائه مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك، مدخلاً عملياً إلى هذا الملف الذي يدرك اللبنانيون جميعاً أنه في دمشق التي يمكن الوصول إليها مباشرة، وبالسيارة، ليس بالتأكيد عن طريق واشنطن المشغولة عنا بهموم ثقيلة، والتي لها مع دمشق حسابات غاية في التعقيد.
وليس منطقياً أن نترك لواشنطن أن تفاوض دمشق.. علينا، أو العكس!

Exit mobile version