طلال سلمان

حتى لا يبتز عرب مرتين

ليس من المبالغة أو من سوء التقدير أن يقال: إن العرب لم يكونوا في موقع قوة نسبي تجاه الولايات المتحدة الأميركية، أساساً، ومن ثم تجاه إسرائيل، كحالهم اليوم وفي عز احتدام هذه الحرب الكونية التي يشنها جورج بوش (وشركاه) على ما يسميه »الإرهاب الدولي«.
حتى الاتهام الضمني الموجه، الآن، إلى العرب بأنهم »أبطال« تفجيرات 11 أيلول، يمكن أن يرتد إلى مَن يُوجِّهه، لأن هؤلاء الذين نفذوا العمليات الإرهابية الهائلة النتائج، كانوا عبر تجربتهم السياسية!! أقرب إلى الولايات المتحدة الأميركية، منهم إلى قضايا أمتهم العربية، وفي طليعتها فلسطين.
كذلك فإن هؤلاء »الأبطال«، المخططين منهم والمنفذين، قد ارتدوا على الأنظمة العربية التي وُلدوا في أحضانها، وذلك لأسباب تتصل بطبيعة التنشئة كما بطبيعة التوجيه الذي تلقوه محدِّداً لهم من هو »عدوهم« وحيثيات »إعدامه« النابعة من ارتداده أو من خروجه على الإسلام!
أي ان المخططين والمنفذين لم يكونوا في عداد المناضلين لتحقيق أحلام مواطنيهم العرب في التحرر أو في التقدم أو في العدالة أو في الديموقراطية، وإجمالاً في التمتع بأبسط حقوق الإنسان.
لا حين ذهب هؤلاء إلى أفغانستان ليقاتلوا »الشيوعيين الملحدين« والاتحاد السوفياتي ومعسكره الاشتراكي بوصفهم »قوة كفر استعمارية« اجتاحت أفغانستان وهيمنت عليها تمهيداً لاستئصال الإسلام منها ومن ثم استخدامها قاعدة لمواصلة الهجوم على الإسلام والمسلمين،
… ولا حين »اشتغل« هؤلاء عند الأميركيين، مباشرة أو بالواسطة، ودائماً عبر أجهزة المخابرات وليس على قاعدة من »التحالف« السياسي لتحقيق أهداف مشتركة، اللهم إلا إذا افترضنا أنهم قد اعتبروا واشنطن »دار الإسلام« ودولته في حين أن موسكو هي »دار الكفر« ودولته،
… ولا حين ارتد هؤلاء على الولايات المتحدة الأميركية فقاتلتهم وقاتلوها لأسباب غير معروفة، ولكنها لا تتصل من قريب أو بعيد بالعرب والعروبة، (ولا بالإسلام طبعاً..) لا بالمعنى »القومي« العام، ولا بمعنى حقوق الإنسان كمواطن في وطنه،
في كل هذه »الحالات« وهذه »الحروب« لم يكن هؤلاء ليرتضوا العروبة هوية لهم، بل انهم كانوا وما زالوا يكفِّرون مَن يقول بالقومية وبالعروبة، ولا يترددون في شن الحرب عليه »لرده إلى فيء الدين الحنيف«،
لقد ذهب هؤلاء إلى أقصى الأرض ليخوضوا حرباً مفتوحة ضد الشيوعية والمرتدين من المسلمين، ونسوا أو تناسوا فلسطين، والاحتلال الإسرائيلي للأرض المقدسة، وتدنيسه »أولى القبلتين وثالث الحرمين«، المسجد الأقصى، مع أن فلسطين أمام عيونهم (وقلوبهم وعقولهم) بالمعنى الديني، كما بالواقع الجغرافي، ومع أن الإسرائيليين ليسوا من أتباع الدين الحنيف ولا من حماته ولا من »الحلفاء« المحتملين.
وأنها لمن المفارقات المضحكة المبكية ألا تعترف الولايات المتحدة »بعروبة« هؤلاء المخططين والمنفذين، ومَن ناصرهم أو حماهم سواء في باكستان أو في أفغانستان تحت راية »طالبان«، إلا بعدما خرجوا على إرادتها وانقلبوا عليها وقاتلوها ربما لأنها خذلتهم أو تخلت عنهم أو هي لم تسلم بإمامتهم للمسلمين!
إن هؤلاء المخططين والمنفذين ممّن أعماهم التعصب، وحرف مسيرتهم غلطهم في تحديد الهدف الصحيح، وخروجهم على أمتهم وهويتهم الأصلية، لم يجهروا بخصومتهم للأنظمة العربية عموماً فحسب، بل انهم ينظرون إلى عامة العرب بأنهم مضلَّلون أو مستعبَدون وخانعون يرتضون حكم الطغاة الذين لا يحققون كلمة الله في الأرض.
لماذا إذن يفرض على العرب، حكومات وشعوباً، أن يدفعوا الضريبة مرتين: مرة لهؤلاء »الإرهابيين«، ومرة أخرى للولايات المتحدة الأميركية، ومن خلفها إسرائيل؟!
إن الغلط الفاحش الذي ارتكبه ويرتكبه هؤلاء الذين أخذهم الغلط بعيداً عن أرضهم وقضيتهم، شهادة إضافية للمقاومة الوطنية الباسلة في فلسطين التي تعرف عدوها جيداً وتتصدى لمحاولات اقتلاع شعب فلسطين من أرضه وحرمانه ما تبقى له من حقوقه فيها، بل وأبسط حقوق الإنسان كما هي في تعريفها الأولي.
وبمقارنة أولية ومرتجلة تبدو إسرائيل في موقع البطل العالمي للإرهاب بالمطلق وبلا منازع، فهي تمارس إرهاب الدولة (الهائلة القوة) ضد شعب شبه أعزل: تغتال مناضليه في سياسة معلنة، تقتل أطفاله، تدك بيوته، تحرق الأشجار في مزارعه القليلة، تدمر »مصانعه« القليلة وتدك مراكز »السلطة« التي وُلدت من رحم اتفاق إذعان معها… وها هي الآن تهدد رموزها علناً بأنها ستكون هدف صواريخها ورصاصات اغتيالاتها المقبلة!
لقد كانت فرصة للعرب أن »يفرضوا« شروطهم على »التحالف الدولي« الذي ارتجلته إدارة جورج بوش لمكافحة الإرهاب،
أبسط تلك الشروط أن يتم الدمج بين »الإرهابين«، الإسرائيلي والبن لادني، أو »الطالباني«، وأن يعطي العرب بقدر ما يأخذون… في فلسطين، باعتبارها عنوان كل قضاياهم، الداخلية منها والخارجية، ما يتصل منها بحقوق الإنسان أو بحقوق الأوطان.
وإلا… فإن الابتزاز الأميركي والإسرائيلي لن يكون له حدود.
والأحداث التي تشهدها الأرض العربية، من اليمن إلى الجزائر، مروراً بمصر والخليج، وصولاً إلى السعودية، تؤكد أن الغلط في الحساب قد ينقل المشكلة إلى »الداخل«.
ولعل مصر بلسان رئيسها حسني مبارك كانت في طليعة من استشف ما سوف يكون، فحدد موقفاً شجاعاً مستنداً إلى الموقف المبدئي السوري الثابت حول ضرورة التفريق بين المقاومة والإرهاب، وعدم الخضوع للابتزاز الإسرائيلي (والأميركي)، والموقف السعودي الذي استولدته نيران »الأصولية الجديدة« التي بانت نذرها في بعض أنحاء »جزيرة محمد«.

Exit mobile version