طلال سلمان

حتى لا تضيع قطر في مقامرة

لم تحسم قمة عمان الاقتصادية الخلاف العقائدي بين المهرولين العرب، ولم تختتم بحفل تعلن فيه نتائج المباراة لتحديد اصحاب المراتب الممتازة: الاول والثاني والثالث.
ولأن الطموح الى دور، ولو على طريقة »كاسر مزراب العين« متمكن من نفس وزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم بن جبر، فقد شجعت حرارة اللقاء في عمان روح المغامرة عنده فحولته الى مقامر يخشى ان يقفل الكازينو ابوابه قبل تحقيق ما يطلب من ارباح الجرأة والتفرد والاستهانة ب»كلام الناس« بل واصول اللعب مع »الكبار«.
ولم يكتف بلقاء وزير خارجية اسرائيل مرة او مرارا، وظل يتطلع الى فوق حتى سنحت الفرصة في نيويورك ففاز بصورة مع رئيس الحكومة الاسرائيلية اسحق رابين،
ولم يكتف بدور المشاركة والدارس والمستكشف كما في القمة الاقتصادية الاولى في الدار البيضاء، بل اندفع الى الحد الاقصى في عمان، فأنجز العقد العتيد حول اسالة الغاز القطري الى الكيان الصهيوني، عبر وسيط اميركي (شركة انرون)، متفوقا بذلك على مضيفه المهرول الملكي،
اندفع الى حد التصادم مع مهرولين اعرق منه واخبر، تحمل وجوههم ندوبا هي اثار جراح عميقة نجمت عن التسرع في التوقيع، والتسرع في الارتباط، والتسرع في الوثوق بمن لا يقيم اعتبارا الا لمصالحه المباشرة،
لا اوقفه الدرس المصري البالغ الدلالة، في خلاصته ان اسرائيل قد اخذت من مصر دور مصر وشلتها تماما، فلم تعد في موقعها من العرب، ولا هي استطاعت او سمح لها بأن تكون شريكا لاسرائيل… وهي مصر!
ولا ابطأ خطوه الدرس الفلسطيني المفجع: تأخذ اسرائيل اضافة الى الأرض الاعتراف، وتتلخص من عبء غزة لتخلص معها من الانتفاضة، وتسلم بعض رجال الشرطة الفلسطنية مخفرا في جنين المطوقة من جهاتها الأربع بجيش الاحتلال الاسرائيلي، لتحظى بالمقابل باعتراف اقوى دول العالم بالقدس الشريف »عاصمة موحدة وابدية لاسرائيل«.
اما سوريا ولبنان، بكل وشائج الاخوة ورابطة القربى وشبكة المصالح، وبكل قداسة الدم الذي يراق يوميا دفاعا عن شرف الامة (وقطر بعضها، وهي لم تقصر قبله عن دعم الصامدين في ارضهم وتحصين مقاومتهم البطولية).
.. واما »السلام« الذي ما زال في مرتبة الاحلام، ولا شيء يدل برغم المعاهدات والاتفاقات والمؤتمرات وعقود الشركة على انه قريب المنال، ولو بحده الادنى القابل للحياة.
اما ذلك كله فلم يخفف من اندفاع هذا الشيخ القطري الشارد، ولم يجعله يعيد حساباته، وهو رجل الاعمال الناجح، ليحدد حجم الربح والخسارة في هكذا مقامرة.
الادهى والامرّ ان الاهانات الجارحة التي وجهها شمعون بيريز علنا الى العرب جميعا، بدولهم واسرهم الحاكمة وشعوبهم المغلوبة على امرها، لم تستوقف الشيخ حمد، ولم تجعله يلغي اللقاء الاضافي والذي اراد به ان يضفي طابعا حميما على علاقته بوزير خارجية هذه »الدولة« التي يستحيل تحولها من »عدو مبين« الى »صديق امين«… اقله بينما ما يزال جيش احتلالها يتخذ من حوالى عشرين مليون عربي رهائن، هذا اذا تجاهلنا المصير الأسير.
… وهذا مع العلم ان امثال الشيخ حمد معنيون بشتائم شمعون بيريز اكثر من الفقراء العرب. فحكيم اسرائيل ومهندس مشروع الشرق الاوسط الجديد وجه الاهانات اساسا الى اصحاب النفط من العرب، اذ اعتبرهم بلا عقول، بينما اسرائيل استطاعت بعقلها وحده (!!) ان تحقق اقوى اقتصاد في المنطقة!
بالمقابل كان شيخ من طبيعة اخرى، في بلد متاخم تماما لقطر، يعلن موقفا شجاعا بالفعل، سواء بشعاره ام بتوقيته:
ففي ابي ظبي، كان الشيخ الفتى عبد الله بن زايد، ابن رئيس الدولة في الامارات العربية المتحدة، يرعى مهرجان »من اجلك يا قدس«، الذي تنظمه بعض الهيئات الاهلية وشبه الرسمية، ويعلن قرار بلاده بتمويل بعض المشاريع الاسكانية في القدس العربية، وبالمساهمة في دفع التكاليف اللازمة لصيانة بعض الاماكن المقدسة في القدس الشريف كما في فلسطين عموما.
لقد انتصر العرب لامارة قطر الصغيرة و»العهد الجديد« فيها حين بدا وكأنها معرضة للخطر نتيجة اطماع سعودية في بعض ارضها،
ونوه الكثيرون بشجاعة قطر »والعهد الجديد« فيها حين ارست دعائم علاقات جدية مع ايران الثورة الاسلامية،
كذلك قدر الكثيرون لقطر و»العهد الجديد« فيها وقوفها الى جانب الوحدة في اليمن ضد الانفصاليين، وخرقها للقرار الاميركي بفرض حصار الجوع على شعب العراق.
اما لبنان فهو يحفظ الجميل لقطر، شعبا واميرا وحكومة، ويقدر لها المساعدات الطيبة التي قدمتها لحكومته ولشعبه في ساعات الضيق والاجتياح الى من يعزز الانتماء العربي والوحدة الوطنية في الداخل،
لهذا كله تبدو هذه المقامرة الخطرة التي يتولى قيادتها الشيخ حمد بن جاسم غير مبررة ومسيئة الى قطر ومهددة لامنها ومصالحها الحقيقية اكثر من اساءتها الى سائر العرب، وبالذات الى اللبنانيين الصامدين الذين صاروا »اذا اصابتهم سهام تكسرت النصال على النصال«.
طلال سلمان

Exit mobile version