طلال سلمان

حتى لا تضيع ارباح لبنان

لم يذهب دم الشهداء، أطفالاً ونساءً وعجزة، شبانù ورجالاً، شجرù وثمرù وأشتال تبغ، هدرù. وعلى جسامة الخسارة في الأرواح والممتلكات والمرافق فإن لبنان قد خرج من محنة الحرب المفروضة بربح عظيم.
المهم، الآن، أن نحفظ الروح التي استولدتها المحنة فغذّت بها إرادة الصمود، وعزّزت بها الموقف الرسمي، في بيروت كما في دمشق، وأن يستمر هذا المناخ الصحي الذي ساد في لبنان كله فلا تذهب به المناكفات والأحقاد والأغراض الصغيرة.
والأهم هو تثمير هذا الربح، في الداخل والخارج، وقبل أن تبهت صور المذابح وتتآكل عواطف المشفقين أو المستنكرين، وتعود المصالح لتفرض منطقها البارد، وتتحرك القدرات الإسرائيلية الهائلة في مجال الإعلام، خاصة، لتشوّه الحقائق وتضيِّع أساس الموضوع فينقلب الجلاد ضحية والعكس صحيح.
لقد حفظ لبنان لنفسه شرف المقاومة وحقه فيها، وحفظ للمجاهدين سلاحهم ودورهم.
ولقد تقوّت بها دولته، فلم تنكرها ولم تتنصل منها ولم تتواطأ عليها.
ولعل الدولة قد »فهمت الدرس« فوظّفت هذه الورقة الثمينة جدù لما يخدم التوجه إلى »سلام عادل وشامل«، ولم تستهلكها في »التفاهم« الهشّ متوهمة أنه الحل الأخير، كما لم تحمِّلها تبعة إجهاض »حل« كان متيسرù فاغتاله »العقل المغامر« أو أضاعته »حروب الآخرين على أرضنا« ومن أجل »سلام الآخرين« على حسابنا!
وهكذا خرج لبنان رابحù على الصعيدين معù:
ربح دولة كانت مغيبة أو مهمشة، فجرى الاعتراف بها وأعطيت مقعدù شرعيù على طاولة المفاوضات 70.t حول مستقبل المنطقة، وهي منها وفيها،
وربح المقاومة (المسلحة) كأداة سياسية مؤثرة، وكحركة استنهاض وطني يُخرج اللبنانيين من طوائفهم ومذاهبهم في اتجاه الوحدة والتكاتف لحماية المصير، وكذلك لتعزيز حقوقهم السياسية داخل »دولتهم«.
قبل حرب بيريز كان في لبنان حكم مختلَف عليه ومختلف حوله، كما كان أطرافه مختلفين في ما بينهم، وكانت الخلافات (بأسبابها المصلحية) تظهرهم صغارù،
وعبر نار المحنة، تطهّرت النفوس، وتبلورت الإرادة، فإذا الحكم يستعيد ثقة الأكثرية من اللبنانيين: الثقة بوطنية أقطابه، والثقة بكفاءتهم،
لكأنهم وُلدوا من جديد، فلكل من الياس الهراوي ونبيه بري ورفيق الحريري وفارس بويز (والجيش) صورة مختلفة الآن عما كانت عليه قبل حرب بيريز.
لم يرتفع صوت واحد بالانتقاد، بل انعقد الاجماع على الاشادة بصلابة الهراوي وبحيوية الحريري وسرعة حركته وتطوره اللافت، سياسيù، إضافة إلى قدرته على توظيف علاقاته وصداقاته الشخصية لمصلحة بلاده، وبحضور نبيه بري وثباته وسهره على حماية الجبهة الداخلية، وبتماسك المنطق الوطني لفارس بويز وتوظيفه خبراته الدبلوماسية لبلورة موقف مقبول دوليù بقدر ما هو سليم ومتماسك ومساعد على الصمود داخليù.
أما »حزب ا”« فقد أثبت كفاءة سياسية عالية، إضافة إلى كفاءته القتالية الممتازة، فتصرف بحنكة وبوعي مثير للإعجاب، مغلِّبù ما يجمع على ما قد يفرّق، مقدمù مصلحة البلاد، بما في ذلك دولتها، على المكاسب الحزبية الضيقة، مظهرù من التواضع ما يكفي لزيادة احترامه وتصنيفه قوة سياسية كبرى في لبنان.
وإنها لمعجزة أن نربح حكمù من دون أن نخسر المقاومة، أو نربح المقاومة على حساب الدولة كلها.
على أن الامتحان الصعب هو الذي سيواجهه الجميع، وعلى الأرض، ابتداءً من اليوم: أن يظلوا كبارù، كما أظهرتهم المحنة، فلا تعيدهم أغراضهم وأهواؤهم إلى الصغائر، ولا تضيّع مصالحهم الشخصية أو الحسابات الانتخابية بعض المكاسب الوطنية التي حققها دم الشهداء.
ثم إن لبنان الدولة قد ربح علاقة نوعية جديدة مع سوريا، ومؤكدù أن حافظ الأسد قد »كافأ« ما لحظه من تطور في مسلك حكامها.
لقد حرصت القيادة السورية على أن تعطي »الدولة« المدى الفسيح لكي تؤكد حضورها المستقل، ولكي يمارس الحكم فيها ما يراه صالحù للبنان من دون أن يؤذي سوريا.
كذلك فقد ربح لبنان صديقù كبيرù هو فرنسا، فلم تعد العلاقة مع رئيسها جاك شيراك لأنه صديق لبعض الرؤساء عندنا، بل باتت مع دولة كبرى تؤكد صداقتها للبنان لتحمي مصالحها المهمة في هذه المنطقة الواسعة التي تتطلع إلى من يساعدها في بناء غدها.
وشكرù لإيران التي أعطت الدولة في لبنان وعبر هذه المحنة الاعتراف الذي كان في ما مضى ناقصù فاكتمل..
كيف نحمي الربح، وبمن؟!

Exit mobile version