طلال سلمان

جولة لحود كمهمة قتالية

لا مجال لكثير من اللياقات والمجاملات في جولة رئيس الجمهورية على معظم دول الجزيرة والخليج، وبعدها مصر ثم إيران الثورة الإسلامية.
إنها أقرب إلى »المهمة القتالية« منها إلى الزيارات التقليدية التي تبحث عادة في تنمية العلاقات بين الدول وتوطيدها وتجاوز إشكالات التعارض في المصالح.
ولن يفاجأ المسؤولون الذين سيلتقيهم الرئيس إميل لحود بتشخيصه للوضع الراهن واحتمالات تطوره في ضوء الهجوم الإسرائيلي المضاد على النصر العربي التاريخي الذي حققه لبنان المقاوم بدمه حين فرض على الاحتلال الانسحاب بغير »اتفاق إذعان« يمد رقعته من بعض الأرض إلى الإرادة والقرار الوطني جميعا.
قد تفاجئهم »لغته« غير المألوفة كثيرا، خصوصا في الدوائر العليا للسلطة، وهي لغة تبسط المسائل الشائكة مستخدمة المنطق الشعبي المباشر بغير الإيماءات والإيحاءات التي »تقول« ما لا يقال علناً وبشكل مباشر،
ولقد يتساءل بعضهم: ترى هل تغيّر لبنان الذي عرفناه إلى هذا الحد؟! هل غبنا عنه أكثر مما يجب، فتبدلت صورة شعبه الصغير، الشاطر، الحاذق، المجامل، المتقن، الحيوي، الظريف، المضياف والبارع في اصطياد الفرص، المتعدد الكفاءات والولاءات أحيانا، المداري والمساير والمقدم مصالحه عادة على »إيديولوجيته« وانتمائه السياسي المطأف أو الطائفي المسيس، وصار علينا أن نقبله بواقعه الجديد؟!
سيسمعون كلاماً أصرح مما ألفوا وتعوّدوا، ليس فقط عن المقاومة ومجاهديها، أو عن التضحيات الغالية بالروح والرزق والدار والمستقبل، بل كذلك عن المردود العربي لتلك المقاومة الباسلة والتضحيات التي تتجاوز إمكانات بلد بحجم لبنان،
»لن نهرول. لا نؤمن بالدبلوماسية السرية. إنهم يتحدثون عن الانسحاب ثم يهددون بحرق لبنان! فلينسحبوا وسيكون عيداً لبنانياً..«.
البساطة فصيحة اللسان.
وتسمية الأطراف والمواقف بمسمياتها الحقيقية تختصر الطريق إلى الجواب المطلوب: »كيف سأشهد لمن يوثق علاقاته بإسرائيل يومياً انه مساند لمعركة تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي«؟!
»وكيف يدعي دعم الصمود ذلك الذي لا همّ له إلا إخراج السوري من لبنان، بغض النظر عن موعد الجلاء الإسرائيلي، أو هو يشترط إقرار »الشراكة« أو المحاصصة مع سوريا أولاً، ومن ثم يقرر حجم الدعم لمعركة لبنان ضد الاحتلال الإسرائيلي؟!«
»الانسحاب ليس منّة من أحد، بل لقد دفعنا ثمنه سلفاً من دمائنا«.
لا مجال للحديث عن المساعدات، هبات أو قروضا ميسرة أو معسرة..
لا لبنان سيطلب ولا هم سيعرضون. ومَن يلتزم بواجبه القومي يقدم ما يقدر عليه أو ما يفرضه عليه التزامه من دون طلب ومن دون إعلان.
»المشكلة الاقتصادية كبيرة«، لكن حلها أكثر تعقيدا من أن تمكن مداواتها بالصناديق العربية للتنمية.
القضية الآن سياسية، والدعم المؤثر يكون بالموقف السياسي، أي بتبني المنطق اللبناني حول المناورة الإسرائيلية البارعة في تحويل الانسحاب من هزيمة للاحتلال إلى مشروع مكسب دبلوماسي لإسرائيل، كاد يسلِّم به أكثر من طرف عربي.
لا يكفي أن تعلن هذه الدولة العربية أو تلك مساندة لبنان، بل عليها أن تخوض معه معركته السياسية طالما قصَّرت أو تعذَّر عليها أو أنها لم ترغب في أن تبدو مشاركة في تعزيز صموده أو التعبير عن تأييدها لنهجه المقاوم حتى… لا تتهم »بدعم الإرهاب«!!
إن إسرائيل تخوض هجومها المضاد على مستوى العالم أجمع: تحرّض ضد المقاومة كمدخل للتحريض ضد سوريا، فتستنفر أصدقاءها في كل مكان، من واشنطن إلى باريس، ومن موسكو إلى بكين، وتوسع اختراقها لدنيا العرب من المغرب إلى اليمن، وتحاول تسويق انسحابها وكأنه استجابة للشرعية الدولية (الميتة في تل أبيب)، بل هي تريد أن »تبيعه« لبعض العرب وكأنه تمّ كرمى لعيونهم ولعدم تعريضهم للإحراج وبدافع الحرص على دورهم في منطقتهم!
والمؤسف أن بعض العرب يؤخذون بمنطق الاحتلال وثمة بينهم مَن يكاد يتبناه.
ومع التقدير للمواقف التي صدرت، سواء منفردة أو عبر بعض اجتماعات المجلس الوزاري للجامعة العربية، وأبرزها ما كان في بيروت، فإن الدول العربية (ولا سيما هذه التي تشملها جولة الرئيس لحود) تستطيع أكثر…
وعلى سبيل المثال وليس الحصر: فمن المفيد جداً للبنان أن تسمع واشنطن، وسائر عواصم القرار، من السعودية ما سمعه اللبنانيون، سواء على لسان الملك فهد، أو خصوصا على لسان ولي عهده الأمير عبد الله عشية زيارته بيروت، ثم على لسان وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل،
من المفيد أن يظهر مجلس التعاون الخليجي التزامه دعم لبنان، وأن يتبنى هذا الموقف مع الدول التي تصنّف نفسها فيه »صديقة« وتكاد تفلسه بصفقات السلاح الهائلة التي على الأرجح لن تستخدم،
ومن الضروري أن تكمل القاهرة ما باشرته بزيارة التضامن التي قام بها الرئيس مبارك إلى بيروت، فتشارك في كشف المناورات الإسرائيلية وفي التصدي لها وفي رفض الانجرار إلى محاولات باراك المتواصلة لتخديرها، تارة بالتعهد بعدم تكرار غاراته التدميرية على لبنان، وتارة بالوعد بزيادة بضعة سنتيمترات على الأرض التي سيعيدها إلى أصحابها الفلسطينيين.
الأهم: أن يظهر العرب، مرة، أن المعركة التي يخوضها لبنان بدماء أبنائه وأسباب حياتهم، هي معركتهم جميعا، وأن كلاً منهم مستعد للمساهمة فيها بقدر طاقته، أقله بالنطق إن لم يسعف الحال!
والحركة بركة،
ومن الضروري أن ينتشر لبنان في العالم كله، يشرح ويوضح ويعمّم صورة انتصاره الذي تكاد تطمسه إسرائيل والذي يخيف الكثير من القادة والمسؤولين العرب، الذين يرون في التسليم بالهزيمة الملجأ الآمن.
هذا عن العرب، أما عن زيارة »العجم« في إيران فلها حديث آخر،

Exit mobile version