طلال سلمان

جولة كريستوفر ومطالبها انتخابية

التوقيت أهم من «السلام» لدى وارن كريستوفر، وكذلك لدى شمعون بيريز.
لذا فهما يهتمان بتوقيت الاحتفال «بإنجاز السلام» أكثر من اهتمامهما بطبيعة ذلك «السلام».
الانتخابات لا تنتظر السلام. لكن «الصورة» ضرورية للانتخابات. وبالتالي فالمهم الصورة وليس السلام بذاته. السلام قضية أجيال، أما الصورة التي لا تعيش إلا أيامد فإنها مؤثرة قطعد، وقد تكون حاسمة التأثير إذا جاءت في توقيتها الصحيح.
لا خجل في السياسة، ولا مجاملات، لا سيما عند القوى العظمى مثل الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.
أما عند الأطراف الضعيفة أو المستضعفة فقد يتم التفريط بالسياسات جميعد مجاملة لهذه أو تلك من القوى العظمى… أليست مجاملة واشنطن أو تل أبيب ضمانة في الزمان لمكان «الحاكم»، أي لموقعه واحتمالات استمراره، ومن ثم لمكانته في عصر السلام الأميركي ـ الإسرائيلي؟!
الآن، وبعد عودة وزير الخارجية الأميركي من جولته الناجحة، يمكن تحديد مطالبه ومطالب حليفه الاستراتيجي شمعون بيريز، بدقة، في ضوء صراحتهما في مطالبهما من السوريين واستطرادد من اللبنانيين، وصولاً إلى سائر العرب:
فأما كريستوفر فيريد تأمين الفوز الكاسح لبيريز في انتخاباته في مواجهة الليكوديين المتشددين،
وهكذا فإن على العرب أن ينصروا «حزب العمل» بما ملكت أيمانهم، مع التشديد على أنهم ممنوعون من الانضواء تحت لوائه ومن المجاهرة بتأييده حتى لا يطعن في صحة تمثيله لليهود ووعدهم الإلهي بأرض الميعاد.
والسبيل الى ذلك بسيط: أن ينصروا «حزب العمل» في تشدده حتى لا يأخذ عليه تجمع الليكود «تفريطه»… أي أن يتساهل العرب، والمقصود هنا سوريا ومن بعدها لبنان، في موضوع الانسحاب، موعده ومداه، وفي موضوع الترتيبات الأمنية وشمولها، وفي موضوع التطبيع ومقتضيات السلام.
لا بأس من شيء من التأجيل في الانسحاب، ومن قدر من التسريع في التطبيع،
وبهذا ينتصر العرب عبر شمعون بيريز على الليكوديين الأشرار، وينتصر كلينتون عبر صورة إنجاز السلام التي ستجمع هذه المرة عشرين ملكد ورئيسد عربيد (حسب مطلب بيريز) على الجمهوريين الأشرار الذين يحاصرونه الآن بمزايدتهم عليه في تأييد إسرائيل العظمى!
أما العرب فيجيء «انتصارهم» من داخل انتصار «أصدقائهم» المستمرين في إدارة الحكم في كل من تل أبيب والبيت الأبيض في واشنطن،
… ويموت الليكوديون والجمهوريون أعداء السلام بغيظهم!
المفارقات كثيرة في هذين المطلبين الانتخابيين المشتركين للأميركيين والإسرائيليين، ويمكن هنا الاكتفاء بالاشارة إلى أطرفها وأعمقها دلالة:
{ المفارقة الأولى: أن العرب المطالبين بأن يوفروا بعض أهم عناصر النجاح للمرشحين العماليين (في إسرائيل) والديموقراطيين (في واشنطن) ممنوعون ليس فقط من التصويت، بل من ادعاء القدرة على التأثير على نتائج الانتخابات هنا وهناك.
عليهم أن يفوضوا بيريز، بداية، وكلينتون من بعده، ثم يقبعوا في بيوتهم صامتين منتظرين إعلان النتائج. هم ليسوا ناخبين، ولا قوى تأثير، وليس من حقهم التدخل بالتصويت. يجب أن يغيبوا تمامد، أن يختفوا حتى لا يشكل حضورهم مطعند في فوز أصدقائهم!
{ المفارقة الثانية: ان العرب الذين فرض عليهم التفرق والتوزع على مسارات متعددة وهم يفاوضون إسرائيل، ومنعوا من الاشتراك في وفد واحد في مؤتمر مدريد، ومن التنسيق في ما بين وفودهم المتعددة بعد ذلك، والذين صاروا يتناقصون تدريجيد إذ يسحب واحدهم إثر الآخر إلى لقاءات سرية وإلى اتفاقات منفردة، إلا من صمد منهم فبقي مصرد على التنسيق والعلانية والمفاوضات الرسمية الثلاثية (بحضور الراعي الأميركي وبناء لدعوته وفي عاصمته)…
هؤلاء العرب الذين فُرِّقوا بالأمر بعد مدريد مباشرة، مطلوب الآن تجميعهم بالأمر من أجل صورة إنجاز السلام.
فشمعون بيريز، ومعه كلينتون، يريدانهم مجتمعين وموحدين داخل الحلم الإسرائيلي العظيم: الشرق الأوسط الجديد!
أي أن التفاوض فردي، والتوقيع فردي، لكن الهيمنة جماعية، ويجب أن تقرها وتسلم بها مجموع الدول العربية العشرين!
وهذا هو الدور «الانتخابي» الوحيد المعطى للعرب: أن يأتوا متفرقين إلى صورة جماعية واحدة تؤكد خضوعهم الكامل للمشروع الاسرائيلي وانضواءهم تحت لوائه، مما يطمئن الرئيس الأميركي الجديد إلى مستقبل إسرائيل العظمى في المنطقة، فيجدد ولايته بأصوات الأكثرية الساحقة من الأميركيين لأنه أتى بما لم يستطعه الأوائل،
لا يكفي الولاء المطلق للسياسة الأميركية في المنطقة، حتى لو كان مسلمد بإسرائيليتها،
ولا تكفي الاتفاقات المنفردة مع إسرائيل، والتي تظهر خضوع كل كيان على حدة للمشروع ـ الحلم الذي يريده بيريز طريقه إلى المجد وصناعة التاريخ الجديد لهذه المنطقة ذات الأهمية الاستثنائية،
بل لا بد من تسليم فردي، ثم من تسليم جماعي معلن ومشهود،
لا بد من إعلان النهاية للتاريخ العربي لأرضهم ومنطقتهم، وقيام «العهد الجديد» امتدادد في السياسة لـ«العهد القديم».
إنها طبعة جديدة للكتاب العتيق، تمد حدود إسرائيل الجديدة الى آخر ناطق بالضاد، حيثما وجد.
والمواعيد، حتى إشعار آخر، انتخابية،
أما إنجاز السلام فأمر يتجاوز الاحتياجات الانتخابية…
وإنجاز السلام مهمة أكبر من بيريز، ومن كلينتون، ومن الاثنين معد،
وليس منطقيد أن تتحكم الاحتياجات الانتخابية لرجلين أحدهما إسرائيلي والثاني أميركي، على الحد الأدنى من ضرورات الحياة لأمة بكاملها، يتجاوز تعدادها المئتي مليون، وتتجاوز قدراتها الحلم البيريزي إلى الزعامة والهيمنة، كما تتجاوز طموح كلينتون إلى تجديد ولايته.
{ المفارقة الثالثة والأخيرة وهي ليست غنية بطرافتها:
إن بعض العرب، وبينهم العديد من اللبنانيين، ينتظرون إنجاز السلام وكأنه «العيد».
إنهم مثل خروف الأضحى، يتعجلون يوم ذبحهم!
وأعظم مصادر الحسرة لدى هؤلاء أنهم محرومون من مجد التصويت، ولو باليوم الأخير من حياتهم، لصانعي السلام المجيد في كل من واشنطن وتل أبيب، ولا سيما لـ«حزب العمل» الذي طالما ضحى من أجل السلام، بدءد من حرب 1948 مرورد بحرب 1967 وحرب 1973، وحتى آخر الحروب المستمرة ضد المقاومة في جنوب لبنان، والذي قدم أعظم زعمائه، إسحق رابين، على مذبح إيمانه بقضية السلام!
أعان ا” المفاوض العربي الأوحد وهو يكافح في دمشق لفك الحصار العربي من حوله، من أجل مواجهة التحالف الاستراتيجي الخطير في لحظته الانتخابية الحرجة.

Exit mobile version