طلال سلمان

جولة على الشهداء في شرفة فلسطين: حولا

نشر في جريدة “السفير” بتاريخ 1 تشرين الأول 2004

استقبلتنا ”حولا” بثياب الشهادة التي ما تزال تجللها منذ ان باشرت اسرائيل اغتيالها شمس فلسطين قبل ست وخمسين سنة أو يزيد قليلاً…

ففي المذبحة الأولى التي ارتكبتها عصابات الهاغاناه في 31 تشرين الأول 1948، وقد دخل جنودها إلى البلدة متنكرين بثياب رجال ”جيش الإنقاذ” فظنهم الأهالي نجدة بالكوفية والعقال، قتل هؤلاء، بدماء باردة، 82 شاباً من حولا، إذ ادخلوهم إلى ثلاثة بيوت، واغتالوهم واحداً واحداً، ثم نسفوا البيوت عليهم…

وكانت تلك المجزرة عنواناً لمرحلة ستطول وتمتد مع عمليات الاغارة، ثم مع الاحتلال الاسرائيلي لبعض ثم لمعظم الأرض اللبنانية الممتدة من الحدود وحتى بيروت، والذي استمر حتى بزوغ فجر التحرير في 25 أيار 2000.

بوابة حولا، إذاً، هي النصب التذكاري الذي نجح في اقامته الأهالي بهمة الزميل رفيق نصر الله، الذي كان اوصله الاجماع إلى رئاسة البلدية في فترة سابقة، فترك في البلدة معلماً حضارياً يليق بتضحيات ابنائها التي تواصلت على مر السنين ولما تنته حتى الساعة.

كيف لا يكون هواء الجنوب معطراً ومنشياً وهو المضمخ بنجيع الشهادة، جيلاً بعد جيل؟!

وفي حولا تستذكر ضروبا من المقاومة، ومن الشهادة، سابقة على الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين (ومعها بعض لبنان وبعض سوريا)… إذ إن ابناء هذه البلدة، من الفلاحين الفقراء والبسطاء، شاركوا في انتفاضات متوالية: ضد احمد باشا الجزار، وضد ابراهيم باشا… وواكبوا ثورة صادق حمزة وادهم خنجر، والحكومة العربية في دمشق، وكانوا في ميسلون… الخ.

وهكذا، فلم نكن بحاجة إلى أن ندخل كل بيت في حولا كي نعرف أن جدار غرفة الاستقبال فيه يشع بصورة شهيده، تماماً كأصصة الحبق أو العطر أو الياسمينة أو العريشة التي تظلل المدخل…

فحولا، شرفة فلسطين، تطل منها على الجليل الأعلى كله، يتوسطه سهل أو مرج الحولا، الذي كانت بعض الوجاهات اللبنانية شريكة كبرى في ملكية أرضه التي كانت تغطيها المستنقعات. وأهل حولا يعرفون عائلات الجليل، فرداً فرداً، كما يعرفون ألوان عيونهم، ويعرفون بالطبع اخوتهم من أهالي ”القرى السبع” التي اقتطعها الاحتلال من لبنان، واشهرها ”هونين” التي شطرها خط الهدنة فأعطى البلدة وبعض أرضها للكيان الصهيوني، وبقي القسم الآخر ”لبناني” الملكية.

Exit mobile version