طلال سلمان

جوع في خدمة احتلال

كان الفلسطينيون ثواراً أصحاب قضية عادلة، يناضلون من أجل تحرير أرضهم، ويواجهون الاحتلال الإسرائيلي، بكل القوى الدولية التي تدعمه وتمده بأسباب القوة، بل وتسانده لتحويل فلسطين إلى دولة لليهود ، كما أعلن الرئيس الأميركي في مؤتمر أنابوليس الذي استدعى إليه العرب فلبوا نداءه متعجّلين، ولم يحتجّ واحد منهم على الوعد الأميركي الجديد. بل لقد اعتبر قادة العرب المؤتمر انتصاراً لهم!
كان الفلسطينيون، كثوار، يخترقون حد النار الإسرائيلية، ويقدمون أرواحهم رخيصة من أجل تحرير وطنهم أو ما أبقت لهم الدول منه، نظرياً.
ها هم اليوم يخترقون حصار التجويع المفروض عليهم في ظل الاحتلال، ويحطمون الحواجز التي أقيمت بالقرار الدولي المسكوت عنه عربياً لعزلهم عن أهلهم لحماية الاحتلال…
ها هم مئات الآلاف من أبناء شعب فلسطين، رجالاً ونساءً وأطفالاً، يتدفقون على رفح و العريش في أرض مصر، فلوسهم في أيديهم، بدل السلاح، لشراء المؤن والأغذية والدواء وحليب الأطفال، في منظر يستفز الحجر إشفاقاً على هذا الشعب العظيم الذي طالما اتخذته حركات التحرير في الأقطار المحتلة مثلاً أعلى وقدوة في بسالته وفي بذله غير المحدود، شباباً ودماءً وأرزاقاً، من أجل حقه في الحد الأدنى من أرض وطنه.
فمصر لن تسمح بتجويع الفلسطينيين في غزة، وهذا أقصى ما تستطيعه في هذه اللحظة وضمن القيود المفروضة عليها.
تحطيم الحدود مع الأشقاء في الدولة الأم من أجل الخبز وبعض المؤن وشيء من الدواء!.. أهذا هو المصير الذي يريده العرب وأصدقاؤهم الكبار في العالم لشعب فلسطين: الرغيف مع الاحتلال… وهم الذين شاركوا إسرائيل في الحصار الذي يهدده بالموت الجماعي، وما زالوا يشاركون؟
إن المهانة تصيب العرب جميعاً، أغنياءهم قبل الفقراء، وأقوياءهم قبل الضعفاء.
ثم… هل تستحق السلطة ، أي سلطة في الدنيا، أن تكون بديلاً من الوطن؟ فكيف إذا كانت شكلية ورهينة الاحتلال ومفلسة ولا يكاد دورها يتجاوز مهمة شرطة مكافحة الشغب ضد شعبها.
وإذا كان من حق الفلسطينيين الالتفات بالمساءلة إلى الدول العربية فمن الأولى أن يسائلوا القوى التي تحكم باسمهم، سواء في الضفة الغربية أو في غزة، والتي فرّطت بوحدتهم وحوّلت ما تبقى في أيديهم من سلاح ضد حقوقهم وأحلامهم في التحرير، بدل أن تكون ضد المحتل.. ثم إنها تكاد تذهب بما تبقى من حلم الدولة على ذلك البعض من أرضهم الوطنية.
والانقسام أخطر من الاحتلال، فالاحتلال تحدٍ يرد عليه الشعب بالثورة، أما الانقسام فيذهب بالقضية ويحوّل الشعب إلى طوابير من الجائعين المستعدين لبيع سلاحهم من أجل إطعام أطفالهم.
والانقسام أيضاً مسؤولية عربية، كما جوع الفلسطينيين.

Exit mobile version