طلال سلمان

جورج بوش وتمنياتة شارونية

إذا أردنا أن نفهم ما يجري في فلسطين ولها، فلا بد من أن نلتفت أولاً وأساساً إلى ما يصدر عن الإدارة الأميركية في واشنطن، برئيسها وأركانه، قبل أن نقرأ أو نسمع ما يقوله أرييل شارون في تل أبيب وما يقوم به الجيش الإسرائيلي ورديفه »المدني« من ميليشيات المستعمرين المستوطنين في مختلف أنحاء غزة ورفح وخان يونس وجنين وطولكرم والخليل ورام الله وسائر المدن والقرى في الضفة الغربية.
وبالمقارنة، فإن جرائم القتل الجماعي التي يرتكبها شارون تبدو على فظاعتها مجرد إعلان نوايا لما تخطط له وتقرره واشنطن للعرب بمجموعهم وفي مختلف أقطارهم، لا فرق بين من تصنفه أو يصنف نفسه صديقا وبين ذاك الذي تشرفه بعداوتها أو يجهر باستعداده للتصدي لرغبتها في الهيمنة على مصيره (وليس فقط على ثروته) وفي تحديه في إيمانه بأرضه وبخالقه، وليس في مواقفه السياسية فحسب.
بالمقارنة هذه، يبدو السفير الأميركي الوسيم في بيروت رقيق الحاشية مهذب العبارة دقيق المعلومات موضوعي التحليل والاستنتاج إذا ما قيست »الأخطاء« في ترجمة كلامه من الإنكليزية إلى العربية حول رئيس لبنان وحول إرهاب »حزب الله« فيه، بالمقتطفات الحرفية التي نقلها السبعة الكبار من المتبرعين اليهود للحزب الجمهوري عن الرئيس الأميركي جورج بوش والتي تناول فيها بالقدح والذم والتشهير العلني والإهانة الجارحة بل وبالسب والشتم المقذع، العديد من المسؤولين العرب ممن يحتسبون أنفسهم بين أصحاب الحظوة في واشنطن وأصحاب الفضل على آل بوش رئيساً بعد رئيس، وبطلاً (عليهم!) إثر بطل!
فجورج و. بوش يقرر أن »حزب الله« و»حماس« منظمتان إرهابيتان، »وإذا منحت سوريا ولبنان لهما الحماية فلن يختلفا عن نظام طالبان«!
وجورج و. بوش يرى أن »وزارة الخارجية الأميركية غير مناسبة«، وأن »أنصار العرب يلعبون ألعابهم فيها« وأنه »ينوي وضع حد لهذا«! (للتذكير: كان ستة من أصل سبعة دبلوماسيين أميركيين كلفوا بملف الشرق الأوسط من اليهود، وبعضهم متعصب لإسرائيل أكثر من شارون ونتنياهو مجتمعين… هذا إذا ما قفزنا من فوق انتماء مادلين أولبرايت فضلاً عن العظيم هنري كيسنجر ودوره التاريخي في كل ما جرى منذ بداية السبعينيات وحتى خروجه من الإدارة والبيت الأبيض).
وجورج و. بوش يرى أن عرفات (الذي »استهلك« ستة رؤساء أميركيين على الأقل«) هو »رجل ضعيف«، ويقدّر أن »سلطته سوف تنهار«، ربما نتيجة القصف الإسرائيلي اليومي لمقراتها ورجالها (وعائلاتهم) بطائرات الأف 16 وحوامات الأباتشي الأميركية…
ويصل جورج و. بوش الى الذروة حين يطلق تمنيه المكبوت: »لو كنت أنا ارييل شارون لكنت عملت إزاء الفلسطينيين تماما مثله«!
الطريف أن جورج و. بوش يأخذ على »الملك« في السعودية أنه غير منتخب، كأنما مختلف الملوك وصلوا الى مواقعهم بالانتخاب!
مع ذلك، يظل أمرا مستهجنا أن يقول رئيس الديموقراطية الأميركية العريقة إنه يعتمد على »مصدر واحد: القوات المسلحة الأميركية«!… لكن مثل هذا الأمر يعني الأميركيين، ولهم أن يقرروا فيه، ولكن السؤال هو رد فعل العرب عما يعنيهم!
من قبل، كان الرئيس الأميركي وكبار معاونيه، فضلا عن بعض الخبراء والأكاديميين والكتاب الصحافيين، قد تناولوا العرب، حكاما ومحكومين، فوجهوا إليهم أخطر التهم ورموهم بأقذع الشتائم: هددوا علنا بعض أقطارهم بمصير أفغاني، وقدّروا فقرروا من هو الإرهابي فيهم وبينهم فطلبوه، لا فرق بين »الأمير« و»الخفير«، ولا فرق بين »المسؤول« والمواطن العادي.
بالمقابل، فإن المسؤولين العرب لم يرفعوا صوتهم باحتجاج أو باعتراض، بل تصرفوا على طريقة »كاد المريب أن يقول خذوني«.
واضحة هي المعادلة: كلما تخاذل المسؤولون العرب وحاولوا التبرير أو الاعتذار أو التنصل مما جرى أو التبرؤ من أية مقاومة، بل ومن فلسطين ذاتها، كلما تمادت الإدارة الأميركية في التشهير بهم وفي فرض جو من الرعب على شعوبهم، وفي التغطية على إرهاب الدولة في اسرائيل وهي تحاول إبادة القضية السياسية لشعب فلسطين وطمسها بإراقة دماء شعبها فوقها.
إن التراجع لن يفيد في استنقاذ الذات، ولا في تجنيب الشعوب عبء »العقوبات« الأميركية. إن التذلل ومحاولات الاستعطاف وتأكيد الولاء والتبرؤ من المقاومة والمقاومين والجهاد والمجاهدين، لن تحمي عرشا، بل هي ستفتح الباب على مخاطر أخرى، داخلية هذه المرة، على كل أولئك الذين شاركوا في خلق الوحش في أفغانستان بطلب من واشنطن، بل بأمر منها، أو سكتوا عنه… وها هو خالق الوحش يحاسبهم على »إنجازه« العظيم مرة ثانية!
إذاً، فلا خيار لأن المواجهة مفروضة كالقدر… بوش من أمامكم وشارون من خلفكم، فإلى أين المفر؟!

Exit mobile version