طلال سلمان

جهنم شارع

ليس في لبنان شارع . فيه شوارع . هذه بديهية.
ليس في لبنان، بالتالي، رأي عام واحد . فيه آراء عديدة ندر أن توحدت خلف هدف أو مطلب، بما في ذلك الرواتب والأجور وسائر بنود المأزق الاقتصادي المخيف الذي يأخذ بخناق البلاد وعبادها.
على هذا فإن الاحتكام إلى الشارع في المسائل الخلافية لا يعني الرغبة في حلها، بل هو يعني ببساطة الاندفاع إلى تحويل المسألة المطروحة إلى أزمة ، وبالتالي تعميق الشقاق وتحريض كل طرف على الطرف الآخر (أو الأطراف الآخرين)… والتحريض يأخذ الناس في لبنان بالذات من السياسة إلى الطائفية ،
يسقط المنطق وينقلب الحوار إلى صوتين منفردين أو أصوات منفردة متنافرة يتوجه كل منها إلى جمهوره فتتسع المسافة بين الجماهير التي سوف تتوزع في معسكرات، ويكف كل معسكر عن سماع حجة الطرف الآخر الذي سرعان ما ينقلب إلى خصم، ويتعاظم الشجار بين من كانوا، إلى ما قبل أسبوع أو شهر أو سنة، أخوة ، فإذا هم في مواقع متواجهة يتبادلون الاتهامات التي تبدأ سياسية ثم تنشطر فتغدو دينية، ثم طائفية لتنتهي مذهبية…
والنتيجة المنطقية لهذا التدرّج نزولاً أن يتحوّل الخلاف المحدّد والمحدود بداية إلى فتنة، تضيع في غياهبها الوقائع بل الحقائق الأصلية، وتستعاد صفحات سوداء يفترض أن عاديات الزمان قد محتها وأسدلت عليها أستاراً من النسيان،
وخلال اليومين الماضيين تبدت مخاطر أن تطرح موضوعات الخلاف السياسي في الشارع، وأن يتخلى القادة والزعماء وأصحاب الحل والربط عن مسؤولياتهم ويفوّضوا بها الشارع ..
لقد تواجهت الشوارع ، أو كادت، في بيروت ومن حولها، وفي الجبل وما دونه على الساحل، وفي البقاع والشمال وصولاً إلى الجنوب الذي ما زال أهله يلملمون جراحهم في النفوس وفي البيوت وفي الرزق الذي بات مزروعاً بالقنابل العنقودية التي كاد جيش الحرب الإسرائيلية يترك لكل طفل عشر قذائف تحتوي على أربعة آلاف قنبلة..
وفي مواجهات الشوارع تهدر كرامات من وما لا يجوز مس كرامتهم من المرجعيات والقادة والزعماء والأحياء أو من هم من رجال التاريخ، ومن مقامات الأولياء الصالحين وسائر ما يحترم الناس في بعضهم البعض من مقدسات وأصحاب كرامة.
إن السماح بالنزول أو بالاحتكام إلى الشارع أو بترك الشارع مصدراً للقرار إنما يعني فتح باب جهنم ليحترق فيها الشعب جميعاً ومعه مشروع الوطن والدولة قيد التأسيس دائماً.
كذلك فإن ترك الشارع يقرّر إنما فيه إدانة صريحة لأصحاب القرار: لقد أعجزتهم حكمتهم ومسؤوليتهم الوطنية وواجبات قيادتهم عن حفظ البلاد وحماية مستقبل شعبها فدفعوا بالجميع إلى الانتحار.
وليس في الفتنة منتصر ومهزوم، بل الكل مهزوم حتى لو افترض أنه منتصر بهزيمة خصمه الذي كان وهو الآن وسيبقى أخاه، ولا يمكن أن يكون له من دون وطن أو دولة… فكيف بالحكومات والنيابات والإدارات وسائر المؤسسات التي يسمع بها ولا يراها.

Exit mobile version