طلال سلمان

جنبلاط فلسطيني

بتوقيت مثالي، ومن المكان المثالي، أكمل وليد جنبلاط خطابه السياسي الذي يمكن اعتباره »مدخلا« الى مرحلة جديدة تتجاوز الاطار المحلي لتعيد تحديد الموقع على المستوى العربي العام.
ففي البياضة، وعند »خلوتها« التي تحظى بمكانة متميزة عند الطائفة الدرزية، وامام حشد عز اجتماعه من قبل شاركت فيه رموز حفظة مذهب الموحدين، وجه وليد جنبلاط نداء تتداخل فيه المسؤولية القومية مع هاجس التاريخ، ويحاول مسح صورة نافرة للماضي، هي من ترسبات الهزيمة، ليفتح باب المستقبل امام هذه »القبيلة العربية« التي اطلت على الدنيا »كمرابطين« لحماية الثغور من الاجنبي القادم عبر البحر.
خاطب وليد جنبلاط العرب والعالم وهو يوجه نداءه: »نحن الدروز في فلسطين ولبنان وسوريا والاردن لا يمكن ان نتخلى عن عروبتنا او نفرط فيها… ان ماضينا عربي وحاضرنا عربي، ومستقبلنا عربي، ودمنا عربي… ولا نريد او تريدون (انتم في فلسطين) ان يسجل التاريخ ان الدروز، او قسماً منهم، ساهم او يساهم في تشريد الفلسطينيين«.
من عند حدود فلسطين مع لبنان، وعبر مناخ عابق بعد بدم الشهادة الذي بذله مجاهدو المقاومة لانجاز مهمة إجلاء الاحتلال الاسرائيلي، أطلق وليد جنبلاط هذه الدعوة الى دروز فلسطين للانخراط في نضال شعبهم من أجل حقهم في الحياة فوق أرضها، وعدم الافتراق عن سائر اخوتهم، فكيف بان يكونوا أدوات قمع لهم في صفوف الجيش أو حرس الحدود أو شرطة الاحتلال الاسرائيلي؟!
ان هذا النداء الذي سيكون له صداه المؤثر داخل دروز فلسطين يضفي بعداً قومياً على حركة وليد جنبلاط المحلية التي قام بها تحت شعار المصالحة وطي صفحة ماضي الحروب المتكررة مع المسيحيين بقيادة الموارنة، من دون الانزلاق كرة أخرى الى فخ »الثنائية« التي تُخرج الطرفين من اطار العمل الوطني الموحَّد والموحِّد، لتصورهما وكأنهما يتواطآن على سائر الطوائف، أو يسعيان لعودة مستحيلة الى »المتصرفية« أو الامارة، أي »لبنان الصغير«… بما يعاكس مسيرة التاريخ.
قبل ان ينهي وليد جنبلاط حديثه عن السياسة الاسرائيلية التي تعاند التاريخ وتسير نحو افق مسدود، كانت النار الفلسطينية المقدسة تحاول ان تكسر طوق حصار الموت من حول شعب فلسطين وحقه في الحياة فوق أرضه، وهذه المرة في منتصف المسافة بين حيفا وعكا، بينما كانت سابقتها المباشرة في قدس الاحتلال..
… وكانت قوات الاحتلال الاسرائيلي تحاول منع الهواء عن بناة القدس وحماتها، على مر التاريخ، فتقتحم »بيت الشرق« وتصادر »محتوياته«(!!) لتحوله الى قضية دولية، ولتكمل زرع رجال شرطتها ومخابراتها اضافة الى جيشها الذي لا يهزم في مصابيح النور ومياه الشرب وفي الادعية والصلوات حتى لا يباغتها »استشهادي« جديد بتفجير امنها بجسده فيؤكد بموته انه هو من حفظ للمدينة بل لارض فلسطين جميعاً قداستها… ألم تستحق حياته فماذا أكثر لتكون مقدسة؟!
***
لا يمكن للبنان المقتتل، والمصطرعة طوائفه من حول كراسي الحكم أو بسببها أو نتيجة لخلافات أهل الحكم، ان يخدم فكرة الوطن ودولته، فكيف بالنضال الفلسطيني، وان يقدم الدعم الواجب لهذا الشعب الذي لم تهدأ انتفاضاته منذ سبعين عاماً أو يزيد.
ولقد قدم لبنان، عبر مقاومته المجيدة لتحرير أرضه التي ظلت دائماً تحظى بالرعاية السورية، دعماً عظيماً لشعب فلسطين، أخطر ما فيه انه كسر الحصار من حوله، وانه أثبت امكان الحاق الهزيمة بالجيش الذي لا يقهر، بالدليل الدموي الوهاج، أي »بالقدوة الحسنة«.
وأوجب الواجبات حماية هذه الروح خدمة للبنان اولاً، ولفلسطين من بعد.
وخلافات أهل الحكم تستنزف هذه الروح وتضعفنا في لبنان، فتضعف فلسطين.
ولعل تجربة وليد جنبلاط تفيد هنا بقدر ما تفيد هناك وأكثر.

Exit mobile version