طلال سلمان

جمهورية لافتات

لن يبدل إرجاء »الانتخابات« التي كانت مقررة اليوم، في النتائج »المقررة« سلفا..
سيزيد عدد المؤسسات في لبنان واحدة، بالإعلان عن قيام المجلس الاقتصادي الاجتماعي بالتعيين الانتخابي الطوائفي الحر، أي بالديموقراطية على الطريقة اللبنانية الفريدة في بابها.
للمجلس الجديد صفة استشارية، أي أنه ليس مركز قرار.
والمجلس »تمثيلي« بمعنى أنه يضم بالأصل ممثلين لقطاعات إنتاجية، ونقابات عمالية، واتحادات مهنية، وهيئات أهلية من غير إغفال المغتربين!
لكن الأساس المعتمد للاختيار طائفي، أي أن الصفة النقابية أو القطاعية تأتي لاحقة للتمثيل الطائفي وليست سابقة عليه أو مستقلة عنه.
بل ان الصفة النقابية والمهنية شكلية قياسا إلى الهوية المذهبية أو الطائفية.
هكذا إذن، وبعد أكثر من عشر سنوات على الإقرار بضرورة قيام هذا المجلس المقترح، أساسا، منذ ما قبل الحرب الأهلية، من أجل تحقيق قدر من التوازن الاجتماعي، ولكي يعوّض على المنتجين من عمال وفلاحين ومهنيين وأصحاب حرف غيابهم »القسري« عن المجلس النيابي، ولكي يخرجهم من الشارع والتظاهرات والاعتصامات فيدخلهم الى »مؤسسة« يناقشون فيها مسائل حياتهم ويقترحون سبلاً عملية وسلمية، وبالاستطراد ديموقراطية، لمعالجتها.
.. وبعد سلسلة من المخادعات والمناورات لطي صفحة المجلس المقترح، ذهبت بلحمه ودوره فلم تبق منه إلا الإسم.
.. وبعد جهد ملحوظ في إعداد »قانونه« بما يجرّده من أي صلاحية ويجعله أقرب إلى المنتدى، وإن كان يحافظ على »وجاهة« المنتسبين إليه، فصار كجامعة لا تدرِّس بل تقتصر وظيفتها على منح الدكتوراه الفخرية.
وبعد جهد ملحوظ آخر في إثارة مجموعة من الزوابع الطائفية والمذهبية حول »هوية« الرئيس ونائبه والمدير العام، ناهيك بالتوازن القسري المفروض على القطاعات، التي باتت بعد الآن »مجالس ملية«، تختار منها السلطة مجلساً ملياً أعلى لتمثيلها والنطق باسم صغار الكسبة والكادحين كما باسم رجال الأعمال.
بعد سلسلة الحروب هذه التي ذهبت بالغاية من إنشاء المجلس، وبقدرته على أن يقوم بمهمته المطلوبة كإطار ديموقراطي وحضاري للتشاور والحوار والتفاهم بين قطاعات الانتاج المختلفة وبين المنتجين بمختلف فئاتهم وتشكيلاتهم النقابية.
بعد ذلك كله تدخلت السلطة لتعيين المضمونين والذين لا شك في ولائهم، بل في تبعيتهم، في المواقع العليا لجسم يُقاد ولا يقود… فإذا بالمجلس الاقتصادي الاجتماعي يولد جهيضاً، حتى لا نقول ميتاً.
لافتة جديدة تضاف إلى اللافتات التي تعلن عن وجود دولة لم تقم بعد، وما زالت قيد التأسيس، ويبدو ان قيامها سيتأخر كثيرا، لأن أحداً فيها لا يريد لها أن تقوم فعلاً!
ليس أكثر من اللافتات في لبنان وليس أقل من المؤسسات.
هل تعرف حكاية ذلك البدوي مع الهر وأسمائه الكثيرة وثمنه البخس؟!.. إنها تماما كحكاية المجالس والمؤسسات والمنشآت في لبنان.
مجالس، مجالس، مجالس ولا إنتاج!
مجالس ولا مجلس يمثل الناس فعلاً، أو يعبّر عن مصالحهم، أو يحقق مطامحهم.
الميزة الوحيدة لهذا المجلس المستولد قيصريا انه، في المبدأ، غير مُكْلف، لأنه يوزع ألقاباً (كمثل الدكتوراه الفخرية) ولا يمنح رواتب أو مكافآت أو مخصصات أو لوحات سوداء أو زرقاء مميزة!
لا مجالس التمثيل تمثل فعلاً، ولا مجالس التنفيذ تنفذ فعلاً.
وكيف يمكن أن يكون المجلس الاقتصادي الاجتماعي أفضل حالاً وقد تمّ تفريغ الهيئات النقابية من مضمونها، سلفا، في حين أن الاتحادات المهنية بمجملها لا هي اتحادات ولا هي تعبّر أو تحمل هموم المهنة حقاً؟!
لافتة جديدة، وألقاب جديدة للممثلين القدامى للا أحد!
مبروك لمن بقي خارج اللافتة، ولم يرض بأن يحمل شهادة مزورة جديدة، والأخطر بأن يدّعي زوراً تمثيل فئة هو لا يمثلها حقاً!
مبروك… لقد زاد »الممثلون الشرعيون« للطوائف والمذاهب 71 اسماً جديداً، بعدما باتت النقابات والاتحادات والتجمعات المهنية أسماء حركية للطوائف والمذاهب، أو العكس!

Exit mobile version