طلال سلمان

جسر مفخخ

لا ينفع التمني في منع خطأ جسيم وقع فعلاً، كما لا ينفع الندم أو اللوم أو التحسر على التورط فيه في مسح آثاره المؤذية بأكثر مما يستطيع تدبيره أي »متآمر« خبيث!
وخلاصة القول أن »المشهد« الذي استفاق الناس، صباح أمس، على فصوله المخجلة والمتلفزة (!!) أرضياً وفضائياً، تعميماً للتشهير، هو بالفعل أخطر، سياسياً، من أن يدارَى بصمت الخجل أو بالاستنكار الأخلاقي أو بالغمغمة تحرجاً من إدانة المتسبّب فيه والمشارك والمتواطئ والمستفيد منه.
خلاصة القول أن كل الأطراف المعنيين قد مشوا إلى هذه الفضيحة المدوية بعيون مفتوحة، وهم يعرفون »طبيعتها« ويقدّرون »نتائجها« على سمعة رموز مضيئة من الواجب صيانتها، ومؤسسات وأجهزة حكم مقصّرة في أداء مهماتها الطبيعية فدخل في روعها أنها قد تجني بعض الربح من خلال التسبب في إنقاص مكانة من كانوا فوق النقد، مثل »حزب الله« باعتباره حاضنة المقاومة المنتصرة في المعركة الوطنية القومية المجيدة: إجلاء الاحتلال الإسرائيلي.
خلاصة القول أن لبنان قد تبعثر، خلال الأيام القليلة الماضية، في طوائف ومذاهب مصطرعة على الثانوي من الأمور والمسائل السياسية المحلية في حين أن مصيره مهدد، كما مصير منطقته برمتها، من خلال »الحرب الأميركية الإسرائيلية« المشتركة والمعلنة رسمياً وبلسان رئيس الولايات المتحدة الأميركية بغير تحرّج أو مداراة أو مراعاة لمشاعر »الأصدقاء« من العرب، لا فرق بين عرب المعاهدات وعرب المبادرات وعرب الصمود المحاصرين بضغوط الاتهام بالإرهاب وافتقاد الصديق والنصير.
خلاصة القول أن المفارقة، مع صباح الأمس، كانت أخطر من أن يمكن تجاوزها: فقوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل اجتياحها للمدن والبلدات والقرى الفلسطينية، تدك البيوت على رؤوس أهلها، وتعتقل كل قادر على حمل السلاح، لا فرق بين مدني أو شرطي في السلطة، وحكومة شارون المعززة »بالموقف الليكودي« لجورج بوش، كما وصفه مسؤولون وصحافيون إسرائيليون، والمستقوية بالتهافت العربي، تواصل تنفيذ خطتها لشطب »فلسطين« كقضية، وكمشروع دولة أو كيان سياسي، وليس فقط »سلطتها« المتهالكة والمسلِّمة بالإدانات الموجهة إليها، علناً…. بالمقابل، فإن »جمهور المقاومة« منقسم على ذاته، مشغول بالعراك حول »جسر معلَّق« بل »جسر مفخَّخ«، لا بناؤه سيحل مشكلة الركود الاقتصادي أو سيخفف من الأعباء المنهكة للدين العام وفوائده التي يتزايد ثقلها مع كل مطلع شمس، ولا هو سيحسم الخلافات الرئاسية المتوالدة كما الأرانب على مدار الساعة، ولا التأخير في إقامته أو الامتناع عن تشييده سيكون نصراً لطوابير الفقراء و»المستفقرين« و»المستفيدين« من هذا الوضع الشاذ لأشتات السكان المزدحمين في مستنقع الأوزاعي، والذين يشكل الطريق مصدراً أساسياً لدخلهم وقوت عيالهم… هذا بمعزل عن الحكايات والاتهامات حول »وادي الذهب« الجديد ومن يريد ابتزاز حكم التنمية بتنمية موارده على حساب خطط النهوض الاقتصادي… علماً بأن وادي الذهب الأول كان »شركة مساهمة« بين أطراف عديدين بينهم أبطال معركة الجسر.
من لوس أنجليس الى الأوزاعي، وإذا طوائف لبنان الكبرى مشتبكة في داخلها ومع الآخرين في معارك عبثية لا طائل منها غير الإساءة الى صورة هذا البلد الجميل (جغرافياً) والبشع سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وإلى دوره المفترض الذي يتحول تدريجياً الى ذكريات، مجرد ذكريات أو تمنيات كسيحة.
هل في الأمر استدراج؟! أم أن »الاشتباك« كان مطلوباً بذاته لأن لبعض الأطراف فائدة مباشرة منه بغض النظر عن الضرر الوطني الناجم عنه؟!
فأما من ألِفَ الخسارة، فإنه قد يطمع بأن يربح ما يمكن أن يلحقه من »خسارة« بالطرف ذي الرصيد المعنوي الكبير. إن خسارة من هو في موقع »خصمه« الآن ربح أكيد له، يمكن تسويقه وبيعه من الداخل والخارج. و»المشتري« يقرع الباب أكثر من مرة في اليوم، مع أنه يأخذ ولا يعطي!
خلاصة القول أن لبنان قد خسر الكثير، فأي تشوه يلحق بصورة المقاومة أو حاضنتها السياسية، »حزب الله«، لا يمكن تعويضه بمقارنته بما خسرته السلطة بقرارها المباغت والذي جاء أشبه بصاعقة في سماء صيفية.
خلاصة القول أن الخسارة هنا أكبر من أن تفيد منها الحكومة أو الحكم مجتمعاً، وهي تذهب مباشرة كأرباح الى رصيد العدو الإسرائيلي وشريكه الأميركي.
خلاصة القول أن كل أطراف الاشتباك، أمس، تبدّوا في صورة مؤذية، وان الجراح التي خرجوا بها أو تسببوا فيها لأنفسهم وللشعب كله وللبلاد، ستحتاج الى وقت طويل لتلتئم.
خلاصة القول أن »الجسر« قد امتد بين لوس انجليس والأوزاعي ليشوّه صفحة مجيدة من تاريخ لبنان، وأمته العربية، كانت أنصع من أن يمكن احتمالها.
وفوق هذا »الجسر« لن يمر الازدهار الاقتصادي ولا المقاومة ولا حكم الدستور والقا

Exit mobile version