طلال سلمان

جريدة القومية العربية في القرن الحادي والعشرين

جريدة القومية العربية في القرن الحادي والعشرين
******
1
ما تزال »السفير« في عيني الجريدة الجديدة. غير أن رسالة طلال سلمان إليّ نبّهتني إلى أنها تكاد تبلغ ربع قرن. ما شاء الله!
من المرجح أنني قرأت تسعين في المئة وربما أكثر من الأعداد التي أصدرتها »السفير« منذ وُلدَت. ومن المرجح أنني أعطيتها من وقتي يوميا قدراً لا بأس به. ما الذي جعل »السفير« مقرّبة إليّ منذ البداية وإلى اليوم؟
لعلها الصداقة مع طلال سلمان. لا أذكر أين التقيت به للمرة الأولى. إلا أننا تداولنا مرات عدة في الشؤون العربية والدولية. أظن أنني لم ألتق رئيس تحرير جريدة لبنانية قدر ما التقيت طلال سلمان.
ولعلها »المجايلة«. لا أدري متى وُلد صاحب »السفير« إلا أنني أكتب هذه الكلمات وأنا في أواخر العقد السادس من العمر. أظن أن طلال سلمان في نفس »قوس العمر«، بكل ما يعنيه ذلك من تأثر بأحداث سياسية خبرتها وخبرها، كل من موقعه. ومن المحتمل أن ردود فعله على تلك الأحداث كانت متقاربة مع ردود فعلي.
ولعلها صداقة »السفير« مع سوريا، على مدى ربع قرن، منذ ولادتها وإلى الآن. قد لا أكون مخطئاً إن قلت إن »السفير« لم تُمنع يوماً من دخول سوريا. وبالتأكيد لست مخطئاً إن قلت إن »السفير« هي الجريدة العربية الوحيدة »الوازنة« التي أتيح لها عرض مستمر في المكتبات السورية منذ العام 1974.
ثم لا ريب في أن مواقف »السفير«، من حيث هي جريدة قومية عربية عاقلة، ومن حيث هي صنعة صحافية متميزة وحرة وراقية، جعلتها مقرّبة إليّ.
وتبقى كلمة لا بد من قولها، تدفعني الأمانة إلى قولها. ليست »السفير« هي الجريدة اللبنانية الوحيدة المقرّبة إليّ. ثمة جريدة »النهار« أيضاً، وثمة جريدة »الشرق«، وثمة غيرهما. إلا أنني أرى نفسي على صفحات »السفير« أكثر مما أراها على صفحات غيرها.
2
ليس لديّ ملف خاص عن مقالاتي التي نشرتُها في »السفير« (أو في غيرها). إلا أن أطول مقال لي، ظهر مسلسلاً على عدة حلقات، إنما نُشر في »السفير«. كان ذلك المقال عن عنصرية الصهيونية والقرار 3379 الذي ساوى بين الصهيونية والعنصرية. ظهر المقال في الأعداد من 15/11 إلى 21/11/1988. عام 1986 أسَّست مجموعة من المفكرين العرب المقيمين بدمشق، لجنة عربية لدعم ذلك القرار الذي، منذ وُلد عام 1975، كان مهدداً بالإعدام. واختارتني المجموعة رئيساً لها (واختارت المرحوم الأستاذ إنعام رعد واحداً من نواب الرئيس). وأهم عمل فكري قمت به، بصفتي رئيساً للجنة، كان ذلك المقال الذي أصبح كتاباً. ما أزال حتى الآن ألتقي بقراء يقولون لي إنهم تعرفوا عليّ، أول ما تعرّفوا، عن طريق ذلك المقال في »السفير«. يؤلمني مثل هذا القول، وقد بدأت أنشر في الصحف منذ مطلع عام 1956، إلا أنه يسرني أيضاً.
وذات يوم أحببت أن أكون الأجرأ في تقييم التجربة الناصرية ضمن إطار الولاء لقائدها. كتبت مقالاً أنتقد به كيفية اتخاذ جمال عبد الناصر قراره بتعيين السادات نائباً له. كان مغزى المقال واضحاً: انتقاد التفرد في اتخاذ القرارات وانتقاد المحيطين (أحدهم على الأقل) بعبد الناصر في حذرهم من مراجعته في قراراته. أرسلته إلى طلال سلمان، وكنت أتوقع ألا ينشره. خشيت أن يعتبره ردّة في زمن تأخذ فيه الرّدة عن القومية طابع العصرية. إلا أنه نشره على نحو بارز في صفحة الرأي يوم 28/9/1995. هذان مقالان قفزا إلى ذاكرتي حين وصفت نفسي في نهاية المقطع السابق، بأنني أرى نفسي على صفحات »السفير« أكثر مما أراها على صفحات غيرها.
3
كنت أنوي اختتام هذه الكلمة بالتمنيات الطيبة المعتادة، لولا أنني قرأت خبراً استوقفني في سفير يوم الكتابة (14/8/1998). يشير الخبر إلى دور للجريدة في تنظيم ندوة عن علم الاجتماع بالتعاون مع الجمعية العربية لعلم الاجتماع وهيئتين لبنانيتين معنيتين بذلك العلم. تذكرت أنني أخذتُ ألحظ منذ مدة جنوحاً محبباً في »السفير« باتجاه تطويرها إلى مؤسسة ثقافية إلى جانب صفتها كمؤسسة إعلامية. منذ مدة يكتب فيها دورياً مفكرون كالدكتور أنيس صائغ وأدباء كالأستاذ سعيد عقل. منذ مدة يأتينا »السفير« الثقافي، على هيئة هدية ثمينة. تذكرت، وأنا أقرأ خبر »السفير« عن ندوة علم الاجتماع، أنني أحببت مقالاً افتتاحياً لطلال سلمان في »السفير الثقافي« يمتدح به »الأهرام« حين كان »الأهرام« مثابة لكبار مفكّري مصر. خطر في بالي وأنا أقرأ الخبر عن ندوة علم الاجتماع أن طلال سلمان يخطط لجعل »السفير« مثابة فكرية للقومية العربية المتلائمة مع ظروف القرن الحادي والعشرين.
هل لديك مثل هذه الخطة يا صديقي طلال؟ إن صحّ ظني، أهنئك. ثم فلتتجاوز عناية »السفير« الجمعية العربية لعلم الاجتماع. ثمة، بانتظار تلك العناية، الجمعية العربية للعلوم السياسية التي يبدو أنها تُوفيت. فإن صحّ أنها توفيت، فهي لم تحظَ حتى بمرثاة. اسألني عنها أجبْك.
4
أخي طلال: أقدم لك التهاني الحارة بربع قرن من »السفير« وأقدم لك أيضاً التمنيات الطيبات. لقد كانت قصتك، وقصة »السفير« معك، نجاحاً ممتازا لك ولها ولمجمل القضية.
(*) مستشار سابق في رئاسة الجمهورية العربية السورية وأستاذ العلوم السياسية والحقوق.

جورج جبور

السفير، 2731999

Exit mobile version