طلال سلمان

جائحة كورونا فضيحة.. فعلاً، نستحق الشفقة

نستحق الشفقة. سيرتنا الذاتية شاقة ومؤلمة. نعاني من مرض لا شفاء منه: إنه العجز التام، كأننا لم نعد مخلوقات بشرية، إننا قطعان هائمة، بين يأس مقيم وقلق مستدام ولا مبالاة مخيفة وانتظارات سوداء. كأننا بلغنا حالة الشعار التالي: دعونا نعيش ما تبقى من العمر بصمت، نريد أن نختفي فقط. جرَبنا الحياة، وفشلنا في الحفاظ عليها.

نستحق اللوم طبعاً. نحن فاشلون جداً. فشلنا مريع ومشهود ومنشور ومنتشر. ورثنا وطناً فصار لعنة. حلمنا بوطن فوقعنا في كابوس. حلمنا بمواطن فحصّلنا اننا قطعان. حلمنا بدولة فحصدنا طوائف داعرة. حلمنا بكرامة وحياة عالية، خسرنا، حصلنا على قامات بمقاس النعل والأحذية. حلمنا، بوفرة، بعدالة، بغد… عبث. نحن الآن في القعر: أموالنا ليست لنا. إنها مسروقة ومنهوبة. انفجار المرفأ الكارثي يكاد يفجر “القضاء” الهش. ديوننا مليارية، وعلينا أن نتسوَل ممن أداروا ظهرهم لنا وعافونا. آلهتنا المدنسة لا تزال سلطة دنيئة، خسيسة، ولا تؤمن إلا بالحرام، وتتجنب الحلال.

نستحق العقوبة. لسنا أبرياء. هذا ما صنعته أيدينا، وهذا ما فشلنا في تحطيمه وإلغائه. هم الأقوى على الظلم ونحن نستوطن الضعف والإهمال. عقوبتنا غضبها في وطن يجوع فيه أبناؤه، يتوسلون سريراً في مستشفى، ودواء بوهم الشفاء. كل الطرق إلى النجاة مقفلة. حالة حصار تام. السلطة وحدها متمرسة في فنون البقاء، ولو فوق الركام. مجدها وجودها وليس انجازاتها. مجدها عار علينا جميعاً. يا ويلنا من لعنة أولادنا وأحفادنا. لم نترك لهم إرثاً يستحق ابتسامة. سيلعنوننا كثيراً. وسيكونون على حق، إن جازفوا و”فلوا”، تاركين على الشواطئ أحذيتهم، هدية لنا.

نستحق الكورونا. لسنا مؤهلين أبداً. دولة مفلسة وإدارة مهترئة وضحايا أبرياء. ومن عجائب الدنيا، أننا شعب يتباهى فيه بعض أنصاف العقل والعلم، بأنه يعرف أن الكورونا كذبة. فالت على حل شعره. يخالف بوضوح. عقيدته، اللامبالاة. لا يهمه ما يخلفه من كوارث. امتلأت غرف المستشفيات ولا يصدق. عدَاد الإصابات يتسلق الآلاف ويبرم شفتيه سخرية… إنه من السلالة اللبنانية العريقة التي تنتمي إلى عائلة “البهورة”، تباً لهكذا أناس لا يحترمون الألم ولا يقيمون وزناً لعذاب ولا يقيسون خطر الإصابة ولا يحترمون “حق” المصاب بالموت الرحيم.

ولا مرة واجه لبنان هذه الآفات كلها دفعة واحدة. لذا هو في مقام العجز التام.

ماذا نقول بعد؟ ماذا نفعل؟ ماذا نتوقع؟ بماذا سوف نصاب أيضاً؟ هل نستحق كل هذه العقوبات دفعة واحدة، ولا رادَ لهذا القضاء؟

إن أخطاؤنا لا تُغتفر. أخطاؤنا تراث لنا. نوازلنا عقوبات لنا. “قادتنا” نستحق ارتكاباتهم.

سلاح واحد، ليس لدينا، لنواجه مسلسل الكوارث والمصائب والأحداث. شعب مبعثر بين ولاءات حقيرة وسخيفة. نخب “راقية” جداً. علمية وثقافية و..و.. ونقف على أعتاب الزعامات، من أجل حفنة من الرضا، مقابل كامل الولاء وتعفير الجباه بالنعال.

ليس عندنا إلا أن نشفق على أنفسنا. حالة موت سريري مستدام. ننتظر الكوارث القادمة، بعد الكوارث الماضية.

أخيراً.. يليق بالأنقياء أن يتذكروا ولا ينسوا. يليق بهم أن يرفعوا الصوت دائماً، ويلوحوا بالقبضات، ويعلنوا أننا لن نموت، إلا واقفين.

هل هناك غير هذا؟

دلونا على الصراط المستقيم. تأخرنا كثيراً. هزمتنا الطغمة دائماً. إنها تحتفل بعجزنا. لا يغيرها الانتظار. خلافاتهم ملح السياسة. عجزهم عقيدة متفانية…

يا الله. من أين أنعمت على اللبنانيين بهذا الصبر؟

أفضل الحلول: النسيان إنما، قولوا لنا، كيف نكنس ما حفظته الذاكرة؟

Exit mobile version