طلال سلمان

ثارا لشهداء صيدا اولا

هي خطوة طبيعية أن تقدم الحكومة على التوجه إلى مجلس الأمن الدولي لتشكو، هذه المرة، إسرائيل، رداً على غاراتها التي لامست صواريخها الحدود السورية، وعمليات قصفها التي غطت بالنار حدود لبنان مع فلسطين المحتلة، بجبالها وتلالها وأوديتها وساحات القرى.
هي خطوة طبيعية برغم أنها تأخرت يومين عن موعدها الطبيعي، إذ كان الواجب أن يبادر لبنان إلى تقديمها فور وقوع الاعتداء الإسرائيلي الخطير على قلب صيدا باغتيال الشهيدين محمود المجذوب (أبي حمزة) وشقيقه نضال، أمام باب البيت، مضيفة صفحة جديدة إلى تاريخ هذه المدينة المجاهدة.
فالاعتداء على صيدا هو اعتداء على لبنان كله، واغتيال الشهيدين محمود ونضال المجذوب لا يقل خطورة عن الغارات وعمليات القصف الإسرائيلية الواسعة النطاق، بل هو أقسى وقعاً مع محاولات البعض تجهيل الفاعل أو محاولة التهوين من جسامة هذا الاختراق الذي يعيد تنبيهنا إلى المصدر الأصلي والدائم للخطر على لبنان كله، واللبنانيين جميعاً: إسرائيل!
خارج منطق الثأر، وبمعزل عن حسابات الربح والخسارة، فليس مقبولاً أن تمر جريمة إسرائيل ضد صيدا وأهلها من دون رد فعل في مستوى دلالاتها السياسية والأمنية المباشرة.
لكأن إسرائيل ما زالت تحاسب صيدا على تصديها الباسل لجيش الاحتلال إبان الاجتياح في صيف العام ,1982 وقد كان من جملة شهدائها يومذاك بهيج المجذوب، وهو ابن عم شهيدي عملية الاغتيال الأخيرة.
بل لعلها وقادتها يعلنون بكل لسان أنهم لا ينسون ولا يغفرون تحاسب صيدا، بعد، على مشاركة مجاهديها ضمن جيش الإنقاذ في المحاولة المحدودة لدعم شعب فلسطين وصموده في أرضه منذ العام ,1948 وخصوصاً أن الشهيدين يتحدران من صلب محمد المجذوب الذي عاش حياته صديقاً ورفيق سلاح للشهيد معروف سعد،
بل لعلها تحاسبها، ولو متأخرة، على أن بهيج المجذوب، وهو عم الشهيدين، قد استشهد وهو يواجه اجتياح .1982
فأما صيدا فليست الشهادة إلا بعض تاريخها،
وأما الحكومة التي يتولى رئاستها الآن أحد أبناء صيدا، بشفاعة دم مواطنه الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فمطالبة بأن تتقدم بالشكوى إلى مجلس الأمن انطلاقاً من عملية الاغتيال المنظمة التي استهدفت هذه المدينة الباسلة، وبديهي أن تستولد عمليتها رد فعل مطبوعاً بالغضب وإرادة التصدي لهذا الاجتياح الجديد ولو بالمخابرات والعبوات الناسفة.
إن صيدا التي استنقذها وعي أهلها من الغرق في المماحكات حول ضرورة تأمين الحدود مع إسرائيل، باعتماد خط الهدنة، المعلن موته منذ التوقيع على اتفاقاته، أو بمقولة نشر الجيش على الحدود، كأنما للبنان جيش يوازي بقوة نيرانه جيش الاحتلال، تعرف بالتجربة المعاشة وبالدم المقدس المراق على طريق التحرير، أن الاحتلال إنما يواجه بالمقاومة… مع الاحترام الكامل لقرارات الشرعية الدولية ومجلس أمنها الذي أظهر حماسة مفرطة في اجتماعاته وقراراته التي تذكي نار الفتنة بين لبنان وسوريا، في حين نسي قراراته المتصلة بتحرير لبنان (وبالذات منها القرار 425) لمدة 22 سنة متواصلة، ولم يتذكرها إلا عند الإصرار على تحرير مزارع شبعا… أما تلك المتصلة بفلسطين، ومن ثم بإسرائيل و حدودها ، وبالقدس، فضلاً عن عودة اللاجئين إلى ديارهم فقد انقلبت لدى القوى التي تحكمه إلى إلحاح جازم بضرورة توطينهم حيث هم، ولبنان بين ديار اللجوء الأساسية.
ولعلها من محاسن الصدف أن تأتي جريمة الاغتيال الإسرائيلية لهذين المجاهدين من صيدا، بينما مؤتمر الحوار يناقش استراتيجية الدفاع عن لبنان، في وجه الخطر الإسرائيلي الذي أسقط من حساباتهم كثيراً من محترفي السياسة المتقلبين في مواقفهم والمنقلبين على ما وعدوا به جماهيرهم ، لأنهم يفضلون أن يكونوا مع الأقوى ولو على حساب الحقوق الوطنية التي لا تغري بكثير من الربح في هذه الأيام!

Exit mobile version