طلال سلمان

تيري رود لارسن وتحريضة مكشوف

كلما أطل السيد تيري رود لارسن على اللبنانيين، سواء بشخصه الكريم، في بعض جولاته الكثيرة، أو بواحد من تقاريره الدورية، توقعوا مصيبة جديدة، أو أحسّوا أنهم أمام مؤامرة جديدة تستهدفهم في وحدتهم أو في حقهم في كامل أرضهم التي كانت محتلة فحرّروها بالدم.
ذلك أنه منذ جاء إلينا السيد لارسن، بثوب الموفد الدولي، لم ينجح أبداً في أن يُنسينا أنه إنما وصلنا آتياً من إسرائيل حيث وفرت له خدماته الخاصة، مع السيدة زوجته، مكانة مميزة… خصوصاً حين حاول أن يلعب دور المحامي الدولي العام عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية… ولولا يقظة رجال المقاومة، والجيش أساساً، لسامح السيد لارسن إسرائيل بمساحة محترمة غير التي حاول هدرها عبر الخط الأزرق الذي رأى فيه حدوداً دولية بينما هو خط وقف نار موقت، في انتظار مطابقته مع خطوط الهدنة التي يدل اسمها على هويتها الحربية…
ومع التقدير لطموحات السيد لارسن التي رأى أن تحقيقها لا يمكن أن يتم إلا عبر مسايرة الأقوياء وتنفيذ ما يفترض أنه مصالحهم ، أو حتى رغباتهم، فإنه سلك مع لبنان الدولة مسلك الطرف المنحاز، بعد إسرائيل، إلى الإدارة الأميركية ومَن والاها في الخارج والداخل.
من هنا، فإن السيد لارسن طالما لعب دور المحرّض لأطراف لبنانية ضد أطراف أخرى، فضلاً عن أنه لعب دوراً غير نزيه في موضوع العلاقات اللبنانية السورية.
ومشهور دور السيد لارسن في تحريض حكومة نجيب ميقاتي على إجراء الانتخابات في موعدها ووفق قانون الألفين، الذي كانت القوى السياسية، بمجملها، ترى فيه تجديداً للأزمة السياسية الخانقة التي كانت تعيشها البلاد في ظل تداعيات اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وليس مخرجاً منها.
كذلك مشهور دور السيد لارسن في تحريض الرئيس فؤاد السنيورة ضد سوريا، مستغلاً في ذلك ارتباك النظام السوري وتردده في حسم لبنانية مزارع شبعا، ليسارع لارسن إلى إعلان سوريتها وبالتالي إلى إسقاط ذريعة المقاومة في البقاء على سلاحها لتحريرها.
وفي رحلاته المتتالية إلى بيروت أعطى السيد لارسن نفسه من الصلاحيات فوق ما تقتضي مهمته، مستغلاً الفوضى الضاربة أطنابها في قلب مركز الحكم، فطاف على قيادات سياسية ودينية ووجاهات وصالونات اجتماعية ناعمة، وأفاض في الحديث عن الثورة البرتقالية حتى كاد يشعل فتنة عمياء في البلد الجريح.
باختصار، لقد تحرّك السيد لارسن في لبنان متخطياً صلاحياته، متجاوزاً أصول مهام الموفد الدولي، منحازاً إلى الخطط السياسية الأميركية لمنطقتنا، كما تتبدى على وجه الخصوص، في العراق، وهي خطط تتطابق مع المشروع الإسرائيلي في الجوهر كما في التفاصيل.
اليوم، ومع التقرير الجديد للسيد لارسن الذي كرّر فيه معظم ملاحظاته واستنتاجاته السابقة، نفترض أن خطته في الضرب على وتر الشوفينية اللبنانية قد باتت مكشوفة للجميع، وبالذات للحكومة ورئيسها فؤاد السنيورة الذي لا يحتاج إلى مَن يدله على مصالح لبنان، لا سيما ما يتصل منها بعلاقاته مع سوريا.
وكما أن الحفاوة المبالَغ فيها إلى حد إثارة الريبة، والتي تقصّد الرئيس الأميركي أن يحيط بها استقباله للرئيس السنيورة، في البيت الأبيض، ثم في حديقته بمؤتمر صحافي استثنائي، لا يمكن أن تُخرج فؤاد السنيورة من جلده، وهو المتحدّر من حركة القوميين العرب، والذي طالما تظاهر وهتف في شوارع صيدا ثم بيروت ضد مشاريع الأحلاف التي أرادت أن ترسم لمنطقتنا مصيراً يرفضه أبناؤها…
فكيف به اليوم والسياسة الأميركية تقوم على الاحتلال العسكري المباشر وعلى تفجير المنطقة بمسلسل من الفتن والحروب الأهلية التي تذهب بوحدة مجتمعاتها وكياناتها السياسية وتتركها مزقاً تتناتشها العصبيات الإثنية والطائفية والمذهبية والعشائرية… إلخ.
وواضح التكامل بين المشروع الأميركي والمخطط الإسرائيلي لتذويب فلسطين بالقتل اليومي لرجالها وأطفالها وصبايا الورد، وبالفصل بين الشعب والأرض، ثم برفض نتائج الانتخابات الديموقراطية، بالطلب الأميركي، لتفجير فتنة عارمة تذهب بوحدة الشعب الفلسطيني وتجعل حلم فلسطين العربية كابوساً دموياً يهرب من مسؤوليته العرب جميعاً، فيندر أن يجرؤ مسؤول عربي على لقاء بروتوكولي مع حكومتها المنتخبة والحائزة الأكثرية.
السيد لارسن… أهلاً بك، لقد عرفناك كفاية، فقل ما تشاء، شفاهة وكتابة، فنحن بمصالح وطننا أدرى وأعرَف.

Exit mobile version