طلال سلمان

تناقضات سياسية وأمنية ودولية… والعدوان مستمر

غزة ـ حلمي موسى

في اليوم الحادي والخمسين بعد المئة، تقترب الحرب من دخول شهرها السادس، ونحن على ما نحن عليه من إيمان بنصر قريب وبأنّ تضحيات شعبنا لن تثمر إلّا حرية وكرامة ونهاية لآلام طالت. فالعدوان منكسر والاحتلال الى زوال حكما.

***

ربّما يستغرب كثيرون كيف تدار الأمور في إسرائيل في ظل حكومة تحوي هذا الكم من التناقضات. ويزداد الاستغراب، خصوصا في زمن الحرب، من حدة الخلافات والتناقضات بين القيادتين السياسية والأمنية.

وقد وصل الأمر مؤخرا، وفق وسائل الإعلام الإسرائيلية، حد اتخاذ قرار، مثلا، بعدم إطلاع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير على تقارير استخبارية خشية تسريبها.

كما نُقل إن رئيس الأركان هرتسي هاليفي صرخ في وجه وزراء أثناء جلسة للحكومة بعد حملتهم على الجيش بسبب طول الحرب على غزة وعدم تحقيقها أي أهداف معلنة.

وإذا لم يكن ذلك كافيا، فإن الصراع بين حكومة بنيامين نتنياهو وبين إدارة جو بايدن، إعلاميا على الأقل، دخل مرحلة جديدة كشف عنها بايدن في مقابلة مع مجلة “نيويوركر”.

وكان الخلاف بين المستويين السياسي والعسكري قد انفجر بأشد الأشكال حدة أثناء الحرب، ولكنه دخل مرحلة جديدة مؤخرا عند مناقشة مشروع قانون تجنيد الحريديم. واعتبر كثيرون أن الصراع داخل حزب “الليكود” وداخل الحكومة بلغ أشده بإعلان وزير الحرب يؤآف غالانت أنه لن يقبل عرض مشروع قانون تجنيد المتدينين المعفيين من الخدمة إذا لم توافق عليه كتل الائتلاف الحكومي كلّها. وشكل هذا الإعلان فرصة لتقاطب حاد داخل الحكومة، فيما اعتبر غالانت بأنه بموقفه كان يدافع عن الجيش وعن قيمه في وجه من لا يريدون المساواة في تحمل عبء التجنيد.

ومعروف أن جيش العدو يعيش أزمة حادة، خصوصا بعد 7 أكتوبر، جراء تدني معنويات قادته، الكبار منهم والصغار، بسبب الفشل في مواجهة هجوم 7 أكتوبر. وقد نُشر الكثير عن آثار هذا الفشل على القيادات الاستخبارية والميدانية، وعن الرؤوس التي ستسقط مع سقوط هيبة الجيش.

ولم يغير من واقع الحال مدى الوحشية التي استخدمها الجيش في حربه التدميرية ضد غزة، إذ ظل العنوان هو وجوب إجراء تحقيق شامل ومعمق في الفشل الذي منيت به المنظومات الدفاعية والأمنية الإسرائيلية في 7 اكتوبر وما بعدها.

 وبحسب موقع “واينت”، فإن الكثير من الضباط من مختلف الرتب توجهوا لتلقي المشورة من النائب العام العسكري استعدادا للتحقيقات في فشل 7 أكتوبر.

ولم يقتصر الأمر على كبار القادة في هيئة الأركان وقيادة المنطقة الجنوبية، وإنما تعداه إلى وحدات النخبة التي تأكد أن مقاتليها يتلقون أيضا المشورة من محامين.

وقد بدأت هذه العملية بعدما قرر رئيس الأركان توزيع أمر تحقيقات الحرب في نهاية الأسبوع الحالي، والذي سيتم تسليمه إلى كل الأجنحة والأسلحة، وخاصة شعبة المخابرات وقيادة الجبهة الجنوبية. وسيتم تلخيص النتائج الرئيسية لهذه التحقيقات بحلول شهر أيّار المقبل.

ويتيح الدفاع العسكري للضباط والجنود الذين سيتم استجوابهم في جميع الأجنحة والأسلحة والقوات، خدمات محامي الدفاع العسكري الاحتياطيين والنظاميين، الذين سيرافقونهم طوال العملية.

وهذا التحرك غير المعتاد في نطاقه وطبيعته، ينبع من الخوف من تورط الضباط في الشهادات التي سيقدمونها لكبار الضباط الذين سيحققون في الظروف والتصرفات التي أدت إلى أحداث 7 أكتوبر، والسلوك في اليوم الذي بدأت فيه الحرب، وتحرك إدارة الحرب بعد ذلك.

وتثير التحقيقات العسكرية في أسباب الفشل مخاوف الكثيرين من أن يتحولوا أمام الرأي العام إلى أكباش فداء، خصوصا وأن تحقيقات الجيش يمكن أن تشكّل أرضية لأي تحقيق قضائي مستقل قد تقرره الدولة لاحقا.

ومن الواضح أن هذه التحقيقات تخلق توترا على الصعيد الشخصي على المستويات كلّها داخل الجيش، وخصوصا العليا لدى القيادات.

وربما جاء نشر “القناة 12” التلفزيونية لخبر صراخ رئيس الأركان على عدد من الوزراء في اجتماع الحكومة ضمن هذا السياق. وقالت القناة أن رئيس الأركان هاليفي صرخ على بعض وزراء الحكومة واتهمهم بالظلم، بعدما انتقدوا “إنجازات” الجيش خلال الحرب.

أضافت القناة أنه في أثناء أحد الاجتماعات الحكومية الأخيرة، قام عدد من الوزراء بانتقاد الهجوم البري، معتبرين أنه لا يُدار جيدا وأن معدل تقدمه بطيء. وحمل هؤلاء الوزراء أيضا على قرار الجيش ترك الهجوم على رفح إلى النهاية، واعتبروه خطأ.

وحينها بدأ هاليفي بالرد والصراخ على الوزراء قائلا: “أذكركم بأنكم لم ترغبوا أصلا بهذا الهجوم البري على الإطلاق”، مشيرا أيضًا إلى أنه “لو لم يكن الجيش الإسرائيلي، أو المؤسسة الأمنية تريد ذلك، ما كنا عملنا في قطاع غزة على الإطلاق”. 

بالإضافة إلى ذلك، وفي ظل خشية المؤسسة الأمنية من انفجار الوضع في مناطق 48 والضفة الغربية جراء ترك أمر القدس والحرم القدسي في رمضان بيد بن غفير والمتطرفين الآخرين، أرسلت المؤسسة العسكرية رسالة للحكومة، مفادها، وفق صحيفة “إسرائيل اليوم”، أنه “من المهم توفير حرية العبادة لعرب 48 والفلسطينيين من الضفة ضمن قيود أمنية.”  وتشدد الرسالة على أن الأمر سيطرح على المستويين السياسي والعسكري للبت فيه والانتهاء منه. وفي ما يتعلق بقبول دخول فلسطينيي الضفة الغربية إلى الحرم القدسي، يقال إن الجيش سيصوت لصالح قضيتين رئيسيتين: الأولى هي القيود المتعلقة بالسلامة والأمن، والثانية هي طريقة اختيار نوعية المصلين بين فلسطينيي 48 وفلسطينيي الضفة في شهر رمضان.

وعلى الصعيد السياسي، يبدو أن الصراع افنجر عنيفا جراء مسألة التجنيد وبسبب الحرب. ورفعت أحزاب المعارضة من مستوى هجومها على نتنياهو، في اليوم الـ 150 للحرب. حيث قال زعيم المعارضة يائير لابيد إن “حلم أعدائنا هو حكومة الكوارث”، في حين قال رئيس “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان إن هذه هي “حكومة الأصفار”.

وقال لابيد في لقاء للفصيل الكبير “يش عتيد” (هناك مستقبل) الذي يترأسه، إن “نتنياهو قال هذا الأسبوع إن إجراء انتخابات الآن هي حلم أعدائنا. اعكسها يا سيدي، اعكسها”.

أضاف “أمامنا خياران: حكومة سيئة وخطيرة ومتفككة وسامة، أو انتخابات تؤدي إلى حكومة جيدة ستعيد الأمن لشعب إسرائيل. ليس هناك ما يخيف السنوار وهنية أكثر من وجود حكومة فعالة، حكومة إسرائيلية ذات توجه أمني هنا، بدعم من العالم واقتصاد فعال”.

واعتبر لابيد أن “الحكومة الحاليّة ليست مؤهلة لقيادة حملة سياسية. لقد فقد الأميركيون الثقة في هذه الحكومة. لقد فقدوا الثقة في قدرة نتنياهو على قيادة الحملة”، مشيرا إلى أن “هذه الحكومة ليست مؤهلة لإدارة اقتصاد الحرب. فهي تواصل تحويل المليارات إلى أحزاب الائتلاف، ومازال لديها مكاتب حكومية غير ضرورية، ووزراء لا يفعلون سوى الضرر. وتبذل هذه الحكومة كل جهد لإحباط تجنيد اليهود الحريديم في حين يقول الجيش: ليس لدينا ما يكفي من الجنود. لكن هذه الحكومة مهتمة فقط بالسياسة والمصالح.”

أما رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان فقال: “أدعو رئيس الكنيست إلى إلغاء العطلة. عندما تنظر إلى ما يحدث مع الأسرى، وإلى الشمال والجنوب “والميزانية – لا أفهم كيف سيذهبون إلى العطلة خلال شهر. الكنيست بحاجة إلى أن يكون قدوة، وهناك الكثير للقيام به، بما في ذلك التشريع وقانون التجنيد وقانون الميزانية وأشياء أخرى كثيرة”.

وتساءل ليبرمان “الحرب؟ الحرب انتهت” مضيفا “هل تتحدث معي عن رفح؟ انظر كم من الوقت استغرقنا في خان يونس. يمكن لكل من رئيس الوزراء ووزير الدفاع اللذين يتحدثان عن النصر الكامل الاشتراك في مهرجان الحكايات. إنها مجرد خلط للأوراق، وما نراه في غزة هو حرب، نحن ندفع ثمناً باهظاً لأن الحكومة لا تفي بوعودها للشعب”.

وإذا لم يكن ذلك كله كافيا، فإن الرئيس الأمريكي الذي لا يتورع عن إعلان نفسه صهيونيا، والذي اعتبر أفضل رئيس أميركي بالنسبة لإسرائيل في تاريخها، صار يشعر بالخيبة من نتنياهو وحكومته.

وفي مقابلة مع مجلة “نيويوركر”، أعرب بايدن عن شعوره بالإحباط من سلوك إسرائيل في الحرب، مشيرا إلى أنه عندما طلب من أعضاء الحكومة المحدودة التصرف بحذر أكبر في قطاع غزة، أجابوه بالقول إن: “أمريكا أيضا دمرت ألمانيا في الحرب العالمية الثانية”. وأشار بايدن إلى أنه قال لهم ردا على ذلك: “لهذا السبب أنشأنا الأمم المتحدة وجميع القواعد المصممة لتجنب حدوث شيء مثل هذا مرة أخرى”.

Exit mobile version