طلال سلمان

تمنيات وحدوية في ذكرى تقسيم

نتمنى، بداية، أن يكون الإجماع الذي تحقق، أمس، ظاهرياً على الأقل، وبمثل السحر، جدياً ومعبّراً عن المواقف الفعلية للقوى السياسية المختلفة، وبالتحديد منها الطرف الذي بادر فأعلن الخبر الصاعق بغير تمهيد حتى داخل كتلته متعددة المرشحين والتوجهات..
أما التمني فمصدره الخوف من المجهول الذي كان اللبنانيون يلمحون شبحه، حتى الأمس، يتقدم نحوهم ليأخذهم إلى ما يستولده الانقسام من مخاطر كالفتنة أو الفوضى المسلحة أو حروب الفيدراليات الطائفية والعياذ بالله.
وأما التحفظ فلأن شروط الإجماع الطبيعي ليست قائمة، أما الإجماع الاضطراري فكان يحتاج إلى جهود جدية لم يلمس الناس أنها بذلت، أقله بالقدر الكافي، لا داخل تكتل 14 آذار الذي يضم رسمياً ثلاثة مرشحين أضافت إليهم لائحة البطريرك رابعاً، ولا مع المعارضة ولبعضها الأقوى مرشح أساسي يرى نفسه الأحق بالرئاسة بحكم موقعه التمثيلي الأول لطائفة الرئيس العتيد.
مع ذلك، وبسبب التشوّق إلى الشعور بأن ثمة مخرجاً من الأزمة الخانقة قد توفر، وإلى الثقة بشخص قائد الجيش كمرشح توافقي، فإن الناس قد تجاوزوا عمداً الإشكالات التي تعترض طريق هذا الحل ، وأولها تعديل الدستور، إذا ما استذكرنا مواقف بعض أصحاب مبادرة التوافق منه، وكلها كانت ترفض النقاش فيه وتهدد بفرض مرشحها بأي ثمن!
قال الناس: إذا كانوا جادين في ترشيح قائد الجيش، فستظهر جديتهم عند تثبيت بنود التوافق، على صيغة متكاملة لمرحلة ما بعد الفراغ… فالجمهورية ليست بلا رأس لأن الرئيس المنتهية ولايته قد أطفأ أنوار القصر وغادر إلى بيته، فقط، بل لأن الأزمة كانت تتجاوزه بشخصه، وهكذا فقد بقيت تحتل القصور والسرايات جميعاً. وبالتالي فلا بد من أن يشمل التوافق صورة العهد الجديد بتفاصيلها، حتى لا ينفجر هذا التوافق بين يدي أو في وجه الرئيس العتيد فيذهب به وبالأمل في أن تكون الخلافات التي أوصلت البلاد إلى شفير الحرب الأهلية قد وجدت حلولاً عبر تسوية وطنية شاملة تفتح الباب لعصر من الوئام الوطني المرتجى.. أو أقله لهدنة طويلة تسمح بالتنفس وبمراجعة الذات وبالتنبّه إلى ما يجري بل وما يدبّر لمنطقتنا جميعاً بعد.. أنابوليس!
وإذا كان رئيس المجلس النيابي قد مدّ مهلة التوافق أسبوعاً بإرجاء الجلسة المقررة اليوم، فإن علينا الافتراض أن نعمة الرحمن ستهبط على جميع الفرقاء فتأخذهم إلى المشاركة في تحويل الهدنة الانتخابية إلى عنوان لحكم توافقي، فيعصم لبنان من المخاطر التي علينا أن نتوقع أنها ستهب علينا من دولة اليهود التي أعلن الرئيس الأميركي قيامها فوق أرض فلسطين، معطياً إسرائيل إشارة البدء بتنفيذ حلمها بل خطتها الدائمة، وفي حضور حشد عربي غير مسبوق لم يصدر عن أي طرف منه اعتراض جدي على ما سمع، وبدل المرة مرتين وكانت الثانية على لسان رئيس الحكومة الإسرائيلية.
وإنها لمصادفة قدرية أن يجتهد القادة السياسيون في لبنان لمباشرة إعادة بناء وحدتهم الوطنية، إذا صدق الجهد بعد النية، في ظل الذكرى الستين للقرار الدولي بتقسيم فلسطين إلى دولتين، لم نعرف منهما إلا واحدة هي إسرائيل، ولا تسمح الظروف السائدة داخل فلسطين وفي العالم العربي جميعاً لتصوّر أن الثانية في طريقها الآن إلى التحقق..
فلا الإسرائيلي قادر أن يعطي، (هذا إذا افترضنا أنه يريد)،
ولا الفلسطيني قادر أن يأخذ، (حتى إذا ما تحققت المعجزة فاستعاد وحدته المضيّعة)..
أما العرب فقد كان مؤتمر أنابوليس فرصتهم للخروج من فلسطين، والتصرف وكأنهم مثل الدول الغربية المشاركة معنيون بالسلام (بالمعنى الضامن لإسرائيل) أكثر ممّا هم معنيون بمصير الفلسطينيين في دولتهم المتوهّمة العتيدة..
وأما الإدارة الأميركية فقد تبرّعت بجنرال ذي خبرة عريقة لتنظيم الحرب الأهلية الفلسطينية وتنفيذ الترانسفير الجديد تمهيداً لقيام الدولة اليهودية الخالصة على الأرض التي تحتلها من فلسطين (ضمناً المستوطنات)…
وربما نال لبنان نصيباً كبيراً من الفلسطينيين الذين سيهجَّرون مجدداً سواء من داخل أرض 48 أو من سائر أنحاء الضفة الغربية وغزة، خصوصاً وأن شبح الحرب الأهلية (معززة بالاحتلال الإسرائيلي الذي قد يغدو مطلباً عاماً) يلوح في الأفق… وهو قريب منا قريب، ولن يجد في طريقه حواجز تمنع تمدّده إلى لبنان بخلافاته التي لا تنتهي!

Exit mobile version