طلال سلمان

تمديد في خدمة معارضة

إذا كان العهد الممدَّد له قد اختار أن يبدأ المواجهة مع قرار مجلس الأمن الدولي 1559 بتسخير »أمنه الخاص« لتصفية الحساب مع المعارضين للتمديد فإن النتائج مضمونة تماماً: سنلحق هزيمة منكرة بالتكتل الدولي الذي ضغط لاستصدار القرار، والذي سيواصل ضغوطه الهائلة على لبنان، وعلى سوريا عبر لبنان، وسنضطره إلى التسليم بشرعية غير منقوصة للحكم الذي »لم يطلب شيئاً لنفسه«!!
وفي حين يعترف وزير الخارجية المسافر إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة بصعوبة مهمة الوفد اللبناني في مواجهة القرار وانعكاساته السلبية على صورة لبنان، ومعها صورة سوريا، فإن التصرفات البوليسية الخرقاء تجاه المعارضين للتمديد في الداخل إنما توفر ذخيرة إضافية لتبرير القرار الدولي الذي استصدره من يريد شراً بلبنان وبسوريا (ومعهما المقاومة والفلسطينيون في لبنان).
ومن الواجب مصارحة الرئيس إميل لحود بأنه إنما يرتكب خطأ سياسياً جسيماً إذا ما تصرف وكأنه قد انتصر في »حرب« لم يخضها، ولم تُخض باسمه، ولم يحسمها تفوّقه على منافسيه المحتملين في معركة اختيار حر وضمن ظروف طبيعية.
لقد أبقاه في موقعه الاستثناء، وبالتمديد، تجنباً لما اعتبر »مخاطرة غير مضمونة النتائج« في ظل الضغوط الدولية، لانتخاب طبيعي.
كان التبرير الذي راج استخدامه لإحراج المعارضين والمعترضين أن ظروفاً استثنائية ضاغطة تفرض نوعاً من التجميد بالتمديد حتى لا يستغل الخارج ضعف الداخل بسبب من تمزق قياداته وارتباكها في مواجهة مسؤولياتها الذي تحوّل عملياً إلى عجز مطلق.
وفي مواجهة الاعتراضات المبدئية، وهي جوهرية وتتصل باحترام الدستور، والسياسية وهي متعددة وتقول بها أو تتبناها جبهة عريضة من القوى والتيارات بعضها كان صديقاً فأُبعد، وبعضها كان حليفاً فاضطهد، وبعضها كان محايداً فاستُعديَ بغير مبرر.
.. في مواجهة ذلك كله أطلقت تطمينات بأن »عهد التفرّد« قد انتهى، وبأن »السياسية الكيدية« ذات الجذور الجبلية ستتوقف تماماً تمهيداً لمصالحة وطنية شاملة تحصن الجبهة الداخلية، وتخفف الأعباء الثقيلة عن كاهل القيادة السورية التي كثيراً ما واجهت إحراجات ثقيلة، مع أصدقائها وحلفائها في الدرجة الأولى، قبل خصومها.
قيل، مثلاً، إن »إميل لحود الثاني« سيكون غير »الأول« الذي جاء أساساً من ميدان القتال لحماية الدولة وشرعيتها وهدف التحرير ومقاومته الوطنية، وبالتالي فإن »الممدّد له« سيجيء معتذراً عن قبوله مخالفة الدستور ليبقى، متعهداً بأن يكرّس »المهلة الإضافية« التي أعطيت له لتمتين الوحدة الوطنية وتجميع من فرقتهم ظروف الصراع على السلطة داخل الحرب الأهلية وبعدها..
قيل إن »إميل لحود الثاني« سيحمي لبنان بسوريا ولن يكون سبباً في إضعاف سوريا بلبنان.
وقيل إن »إميل لحود الثاني« سيسعى لأن يعيد تجميع من تفرق من »رفاق السلاح« في الخط الوطني تعزيزاً لعروبة لبنان بالحكم الصالح والقادر على الإنجاز.
وقيل إن »إميل لحود الثاني« سيسعى لأن يقوي الحكم بوحدة اللبنانيين، وباستقطاب جميع القوى المؤهلة والكفوءة والقادرة على إخراج لبنان من مأزقه الاقتصادي الخطير ومن أزمته الاجتماعية الخانقة.
لكن ما »نقل الزوّار« عن رئيس الجمهورية لا يوحي بأن الرئيس لحود قد اعترف، أخيراً، بأننا لسنا في نظام رئاسي، ينتخب فيه الرئيس من الشعب مباشرة، ودائماً بموجب دستور، يفوّضه حق تشكيل الحكومات وإقالتها، وحق تعيين كبار الموظفين، باعتباره الوحيد المنتخب، في حين أن الباقين هم معاونون يختارهم الرئيس (كما في الولايات المتحدة، على سبيل المثال!!).
كذلك فإن المطاردات والإجراءات البوليسية الكيدية لا تبشّر بوعي الرئيس الممددة ولايته لخطورة اللحظة السياسية التي يواجهها لبنان وسوريا، ولضرورة التصرف إزاءها بكثير من الحكمة والرصانة والوعي بأهمية التصحيح والإصلاح والمصالحة وحماية علاقات الأخوة مع سوريا التي سحب التمديد من رصيدها، وتحتاج إلى تبرير دعمها بإنجازات باهرة وسريعة في الداخل، هي صعبة الإنجاز بطبيعة الحساسيات التي تحكم هذه العلاقات، فكيف إذا ما اختار التمديديون المشي في الاتجاه المعاكس؟!
إن الوضع الداخلي أخطر من أن يترك للكيديات والتصرفات الانتقامية السخيفة التي قد تحوّل رئيس بلدية متهم بمخالفة قانونية إلى »بطل وطني« يُضطهد بسبب موقفه السياسي وليس بسبب مخالفته البسيطة.
والوضع الداخلي أخطر من أن تتحكم في معالجته »الحرتقات« التي تبعد الأصدقاء ولا تكسب الخصوم.
لقد كان المعارضون للتمديد من بين النواب تسعة وعشرين، أما اليوم وفي ظل هذا التباهي الممجوج بالانتصار، فإن المعارضة تتسع شعبياً فتجمع أطرافاً متباعدة لم تكن لتلتقي، بل هي قد عجزت فعلياً عن التلاقي من قبل، ولكن عبقرية المستفيدين من التمديد قد حققت معجزة توحيدهم…
وبين أبعاد هذا »التوحيد« للمعارضين أنه قد يرفع سقف الاعتراض عالياً، بحيث يتحول التمديد من »مخرج اضطراري« إلى مأزق، ويفرض الدفاع عنه التفريط ببعض الوعود التي بررته، مما يزيد من قدرة الجهات الدولية التي استصدرت قرار مجلس الأمن 1559 على تخطي لبنان لهجوم عنيف ضد سوريا بتريرات »لبنانية«، وليست فرنسية أو من صنع الإدارة الأميركية التي تتربص بسوريا (ومعها لبنان) لإلحاق الأذى بسمعتها فضلاً عن مصالحها.
* * *
حتى بمنطق من يقول بأن التمديد قد بات خلفنا، لا بد من إضافات جدية، منها:
إذا كان التمديد إجراءً استثنائياً فرضه الاضطرار إلى المواجهة في مساحة ضيقة من الزمان والمكان وتشتت المناصرين، فإن تبريراته المحلية يجب أن تكون أيضاً استثنائية، لتعزيز تلك المواجهة المفروضة.
وليست حكومة توزيع الأنصبة على التمديديين بين هذه الإجراءات، خصوصاً وقد بدأ بعضهم يحاول الابتزاز حقائب ومناصب ومنافع لم تكن مشروعة بالأمس ولا يجب أن تكون مشروعة اليوم بالتأكيد.
كذلك فليست الوعود الرِشى سلاحاً فعالاً في معركة بهذه الخطورة.. خصوصاً إذا كانت التصرفات على الأرض تناقض تلك الوعود وتدحضها.
وليست عبقرية أن تخسر حلفاءك »التاريخيين« و»الطبيعيين« سعياً إلى من لم تستطع في السابق أن تربحهم وأنت قوي، بوهم أنك ستربح خصومك »التاريخيين« وأنت في أضعف حالاتك، في الداخل والخارج.
إن التمديد يحتاج إلى مجموعة من الصدمات الكهربائية لكي يعيش ويثمر، أولها أن يتطهّر الحكم من أنانيته، ومن استقوائه على الآخرين، شركاء أو خصوماً، وأن ينفتح الباب وسيعاً أمام جميع القوى لبناء جبهة تضم كل المؤمنين بلبنان وطناً وبسوريا حليفاً وشريكاً في المصير وبالعروبة انتماء، وبالديموقراطية نظاماً للحكم، وبالوحدة الوطنية طريقاً إلى استنقاذ لبنان من أزماته المتعددة الأسباب.
ومن الصعب الدفاع عن التمديد في الخارج طالما لم تتأكد ضرورته للداخل بإنجاز ما تعذر إنتاجه في السنوات الست العجاف السابقة.

Exit mobile version