طلال سلمان

تمديد انتخابات ديموقراطية دبابة

مع صبيحة هذا اليوم ينتهي »عهد« من دون أن ينتهي، وتبدأ نصف ولاية جديدة للرئيس الذي جاء إلى الحكم من قيادة الجيش، حيث أمضى أيضاً تسع سنوات كاملة، من دون أن يغادر الجيش تماماً أو يتخلى عن »حق الإمرة« أو عن شعار »لا أطلب شيئاً لنفسي«.
ما أوسع المسافة بين نقطة البداية واليوم… فبطل »إنهاء التمرد« وإعادة توحيد الجيش لتجديد بناء الدولة يتهم الآن بأن التمديد له قد يتسبّب في إخراج الناس من الدولة أو عليها، وفي انقسام سياسي يكاد يهدد وحدة الشعب..
هذا فضلاً عن أن التمديد بات عنواناً لحرب التدخل الدولي في الشؤون الداخلية اللبنانية، وبينها العلاقات مع سوريا، وهي حرب تستولد رهانات ومغامرات ومقامرات خطرة حتى حافة الانتحار، كما تستنفر القوى السياسية المتعارضة وتحوّل الانتخابات النيابية إلى ما يشبه ساحة حرب مفتوحة ترتدي فيها الدول أقنعة الأحزاب والتيارات المحلية لتموّه حقيقة التدخل الأجنبي بالشعار الديموقراطي، ولو عبر صراع الطوائف والمذاهب في لحظة تكاد »الحرب الدينية« تصبح سياسة العصر.
ولقد تبدى الانقسام جارحاً خلال الاحتفال بذكرى يفترض أن تكون عزيزة على قلوب اللبنانيين: الاستقلال… فإذا ثمة من ما زال ينتظر وصول »العيد« من واشنطن، وثمة من يريد استيراد »العيد« من منفاه في فرنسا، وثمة من يراه الآن ناجزاً وكل تشكيك في اكتماله يوازي الخيانة، وثمة من يراه ناقصاً بسبب الاحتلال الأجنبي لفلسطين والعراق والضغوط المتزايدة على سوريا ومعظمها تحت عنوان لبناني.
وفي غمرة هذا الانقسام وفي محاولة لتكريسه وشرعنته ستكون الانتخابات النيابية بقانونها وتقسيماتها الإدارية هي ساحة الصراع وسلاح المبارزة.
لبنانياً، الأمر بسيط للغاية: حَدِّد القانون والتقسيمات نبلغك بالنتائج قبل الاقتراع.
هذه قاعدة ذهبية لم يخرج عنها أي عهد، منذ الاستقلال (وقبله) وحتى اليوم.
كل من وصل إلى سدة الرئاسة فصَّل قانوناً خاصاً يلائم أغراضه ثم قسم الدوائر على المقاس تماماً، فضمن الأكثرية المطلقة في المجلس الجديد، سواء أكان غرضه ضرب خصومه وتحجيمهم حتى إسقاطهم، أو تبديل المسار السياسي للالتحاق بالأحلاف التي كانت عنوان التدخل الأجنبي في الخمسينيات والستينيات.
منذ إعلان الاستقلال الذي احتفلنا بذكراه الحادية والستين الاثنين الماضي وحتى اليوم لم تجر انتخابات نيابية بقانون ما قبلها أو بالتقسيم الخاص بالدوائر الذي كان معتمداً في الانتخابات السابقة، إلا في ما ندر… وتحفظ الذاكرة أرقاماً متعددة ومتباينة لعدد أعضاء المجلس النيابي وتقسيمات متباينة للدوائر، بلا منطق يبرّر أو يفسّر الاختلاف: فمن 55 مع الاستقلال هبط عدد النواب إلى 44 ثم ارتفع إلى 66 فإلى 77 ثم إلى 99 من دون سبب ظاهر، إذ إنه لم يكن مرتبطاً، مثلاً، بزيادة عدد السكان، ولا بتناقص مساحة الأرض بالاحتلال الإسرائيلي أو بتحريرها منه… حتى إذا وقع اتفاق الطائف بعد الحرب الأهلية تمّ رفع العدد إلى 108 نواب في الطائف، ليزاد إلى 128 في شتورا.
أما التقسيمات فقد اختلفت مع كل قانون جديد عنها في القانون السابق عليه: محافظة هنا ومحافظتان معاً هناك، ومحافظة مشطرة إلى دوائر هنالك، وأقضية تضم إلى أخرى مرة، ثم تفصل لتضم إلى غيرها في مرة مقبلة وهلم جراً..
* * *
هل كان التمديد فعلاً السبب في إعلان حرب التدخل الدولي على لبنان، أم أنه كان الذريعة فحسب لحرب لها أسباب تتجاوز دستور لبنان واحترامه والأصول الديموقراطية فيه إلى ما يدبر لمنطقتنا العربية، سوريا أساساً، انطلاقاً ممّا جرى ويجري لفلسطين وفيها وللعراق وفيه تحت لافتة الاحتلال من أجل الديموقراطية؟!
هذا السؤال كان ويبقى شرعياً، لأن معظم معارضي التمديد لم يجهروا بتأييدهم لحرب التدخل الدولي، حتى وإن سعى بعضهم لتوظيفه كرافعة في الانتخابات النيابية المقبلة.
ومن المفارقات اللافتة، التي تتجاوز بدلالاتها الموقف المبدئي المعارض للتمديد، أن الانتخابات كفعل إرادة تستخدم الآن كمدخل لفرض وصاية دولية على منطقتنا..
في لبنان ستجري الانتخابات النيابية في ظل رقابة من مجلس الأمن الدولي الذي شهر سيف القرار 1559 الذي يخوّل »مراقبيه« إحصاء الذاهبين من بيروت إلى دمشق (ولو للتسوّق!) وبالعكس، والتنصت على هواتف مراكز المخابرات، وضبط عمليات تهريب المازوت أو الحديد مثلاً، فضلاً عن تحويلات العمال السوريين في لبنان ومدى تأثيرها على زيادة حجم الدين العام في لبنان!
أما في فلسطين فالانتخابات، كما يصوّرها الأميركيون وكما يطلبونها، تغني عن الوطن وعن الدولة، وليس أفضل من جيش الاحتلال الإسرائيلي ضمانة لديموقراطيتها!
وأما في العراق فإن دبابة الاحتلال الأميركي هي صندوقة الاقتراع، أما الديموقراطية، فأشكال بعدد الأعراق والأديان والطوائف والمذاهب: فثمة ديموقراطية باب أول وهي الكردية، وثمة ديموقراطية مطهرة بالفتوى للشيعة وديموقراطية مغمسة بالدم للسنة، وديموقراطية بنسف الكنائس للأشوريين والكلدان إلخ..
لكأن اغتيال الهوية الوطنية أو تدمير وحدة الشعب والأرض بين شروط تحقيق الديموقراطية ونموها.. فالخيار محدد: تنصل من هويتك نقر بديموقراطيتك، أما إن تمسكت بها فلسوف نعتبرك »إرهابياً« كمثل المنتمين بالخيار السياسي إلى »حزب الله« أو المنتمين بالولادة إلى فلسطين أو العراق.
* * *
إنه اليوم الأول في العهد الممدّد له..
وهو ليس يوم عيد في أية حال، لكن البدائل لا تبشّر بالأعياد بل إنها تنذر بتحويل الأخطاء إلى خطايا، وتحويل الاختلاف في الرأي السياسي، داخلياً، إلى ساحة جديدة للحرب الدولية ضد الأوطان والشعوب في هذه المنطقة المهيضة الجناح.
والعهد الممدّد له أمام امتحان جدي بأن يوفر المناخ الصحي لانتخابات طبيعية، بقانون طبيعي بما يؤكد أننا لا نحتاج في لبنان إلى الدبابة لإقامة الديموقراطية، وأن المعارضة شرعية ومشروعة كما الحكم، بالتمديد ومن دونه.

Exit mobile version