طلال سلمان

تمديدوقراطية جميع

نجح اللبنانيون، وهم شعب مبدع، في استنباط نوع جديد من الديموقراطية سيكون بين أسباب استعادتهم لدورهم الحضاري وإسهامهم في اصطناع قيَم القرن الحادي والعشرين،
إنه »التمديدوقراطية«،
و»التمديدوقراطية« هي أن تقيم نظامù شبه ملكي بأساليب شبه جمهورية، وأن تديم بقوة الأصوات حضور مَن كان يجب أن يتم دفنهم من الأموات، وأن تجدِّد بقوة »القرار السياسي« مَن كان يجب أن يسقط بقوة الدورة الطبيعية والتجدّد المستمر لأسباب الحياة.
في النظام الملكي، أو حتى في الجمهوري، لا يتم التمديد إذا ما وقع إلا للسلطان أو الرئيس،
أما في ظل »التمديدوقراطية« فإن نعمة الثبات والاستقرار بكل مردودها الممتاز على الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية، يمكن أن تتسع لتشمل كل مَن يشغل موقعù من أصغر قرية إلى أكبر مدينة.
إن قاعدة »التمديدوقراطية« أعرض من أن تقارن بقواعد النظريات التي ثبت إفلاسها: ففي ظل الشيوعية تقيم البروليتاريا دكتاتوريتها حارمة غير البروليتاريين من المشاركة في نعمة السلطة، وفي أنظمة الديموقراطيات الغربية يحتكر الفائزون في الانتخابات السلطة بينما يقبع المعارضون في جحور الخيبة والإحباط في انتظار الدورة أو الدورات التالية..
أما في ظل »التمديدوقراطية« فإن الناخبين كما المنتخبين يستمرون في مواقعهم حتى تتدخل الارادة الإلهية شخصيù… وهذا ينسحب على المجالس البلدية والمخاتير والهيئات الاختيارية، كما على المستويات الأعلى وصولاً إلى أرفع موقع في سدة السلطة،
فهل لصناديق الاقتراع من القداسة والمهابة ما لإرادة المولى عزّ وجلّ؟!
»التمديدوقراطية«، إذن، تبدأ بفعل الصوت البشري وورقة صغيرة يدسها الناخب في صندوقة، في حين أنها لا تنتهي إلا بقضاء ا” وقدره، وبسقوط »ورقة« الفقيد من السماء السابعة…
لا يعيش الإنسان لينتخب. والممارسة المتكررة للحق الانتخابي تجعله مبتذلاً و»تشرشحه«. وتقضي الأخلاق بحفظ كرامة الانتخابات وحمايتها من أن يمتهنها الطائشون وناقصو الأهلية والقاصرون الذين لا يملكون الرشد الكافي لتقنين استخدامها بما لا يذهب بفوائدها.
وعمر الإنسان لا يتسع لأكثر من اقتراع واحد… يكفي أن يمارس هذا الحق مرة ثم يحيا في ظلال »التمديدوقراطية« إلى الأبد!
والإكثار من التردّد على مراكز الاقتراع مفسدة قد تقود إلى الإدمان… وهو في هذه الحالة أخطر من السكر والقمار والمخدرات، خصوصù وأن خطره هنا يتجاوز الفرد ليشكّل خطرù جديù على السلم الأهلي!
* * *
من حظ لبنان، في هذه الفترة الفاصلة، أن حكّامه والنافذين جميعù فيه من المؤمنين والمبشِّرين ب»التمديدوقراطية«، مما يجعل المواطن أكثر اطمئنانù إلى يومه وإلى غده، في ظل خيرات الاستقرار الذي ينعم به!
هل لك أن تتصوّر المخاطر الكامنة في اندفاع طوابير الشبان إلى مراكز الاقتراع، وازدحامهم هناك، بكل خلافاتهم وعنفهم وتراثهم الحربي وجهلهم المطبق بأصول ممارسة الحق الانتخابي، وعصبيتهم ونزقهم وتطرفهم، قبل أن نصل إلى تعدّدهم الطائفي وحدة انقسامهم المذهبي،
هل لك أن تتصوّر انعكاس ذلك على الاستقرار النقدي؟!
مَن يضمن، والحالة هذه، أن لا يقفز الدولار صعودù وتتهاوى الليرة نزولاً فأين يصير مستقبل هذا الشباب الطائش؟!
ثم، مَن يضمن ألا يندس في أوساط هؤلاء الذين لا يعرفون شيئù بعض الذين يعرفون، ناهيك بالذين يعرفون أكثر مما يجب،
هل تتصوّر تأثيرات مثل هذا الاندساس على العملية السلمية التي نتحايل لإبقائها حية، ونحميها من الغبار والجراثيم والانفعالات الحادة داخل غرفة العناية الفائقة؟! وماذا لو اندس مندس داخل تلك الغرفة المطهرة؟!
* * *
لكل إنجاز ثمن، فالحياة ليست مجرّد أفراح وأرباح وليال ملاح،
بعض الثمن في ظل »التمديدوقراطية« أن تغيب مؤقتù الحياة السياسية، وأن تعطى الأحزاب والتيارات والنقابات والهيئات الشعبية إجازة مفتوحة.
فهؤلاء الممدِّدون لأنفسهم قد خبرهم الشعب جيدù، ويمكنه الاطمئنان إلى أنهم سيحفظون الأمانة، بينما تملأه الشكوك في »المجهولين« الذين يطرحون أنفسهم كبدلاء وليس في سجلاتهم العدلية علامات تؤكد جدارتهم بالمسؤولية!
وبعض الثمن أن تختفي بعض مظاهر الفوضى الموروثة من أيام الحرب أو من تراث الإيديولوجيات البائدة كالديموقراطية العفنة: ومنها التظاهر فرحù (في الأعراس)، أو التظاهر غضبù (مع اشتداد الضائقة الاقتصادية)… وإن كان ذلك لا يمنع ولا يجب أن يمنع الشعب الكريم من إظهار عواطفه لحكّامه الصالحين كلما عادوا من سفر، أو أبلوا من مرض أو خرجوا للاطمئنان إلى أحوال الرعية.
الأمن قبل الفرح. ومواكب الرؤساء لأنها مضمونة الأمن فالفرح ممكن خصوصù وأنه محروس جيدù ومضبوط جيدù ولا يشكّل خطرù على الناس وإن كان ينغِّص المعارضين!
* * *
انتهت الإجازات، وعادت الحيوية تدب دبيبù في أوصال الحكم،
وبعد شهرين ونصف الشهر من الغياب التكتيكي عاد العمل للتمديد إلى سابق حيويته، وها هو يلجم ألسنة أولئك المغرورين والمضلّلين، ويفرض نفسه موضوعù وحيدù على جدول أعمال اللبنانيين جميعù.
لا ضرر، الآن، ولا ضرار،
فنعمة التمديد للمجالس البلدية والمختارين (أحياءً وأمواتù) سبقت،
والإشارات تتكاثر إلى أن هذه النعمة قد تشمل الحكومة بكامل هيئتها وربما المجلس النيابي والقيادات العسكرية والمدنية،
فمن يعترض على العقيدة الجديدة التي ابتدعها اللبنانيون »التمديدوقراطية«؟!
مَن يجرؤ على الاعتراض فليجهر بذلك مسبوقù باسمه الثلاثي، وعندها يكون لكل حادث حديث، ووفق أصول التمديدوقراطية«؟!
عشتم وعاش لبنان التمديدوقراطي!

Exit mobile version