طلال سلمان

تقرير ختامي عن ندوة السفير: الحرية شرط حياة للامة وصحافتها

لعلنا نتجاوز أصول المهنة، فنرجئ التعليق على »حرب الاستنزاف الجديدة« التي تشنها القيادة الاميركية لحلف الاطلسي على يوغوسلافيا، ولو بدرجة اقل عنفاً ودموية من تلك المعلنة على العراق مع اختلاف الاسباب والظروف والتقديرات حول النتائج المطلوبة.
لكن القضايا المهمة التي طرحتها ندوة »السفير«، والاسئلة الكبرى التي اثارتها تلك الكوكبة من اهل الرأي والتجربة السياسية والصحافة والاعلام عموماً، كل ذلك يستحق وقفة جادة امام المسؤولية عن الغد، بالمعنى الوطني القومي، وليس فقط في ما يتصل بالشأن المهني.
بدءاً بكلمة الافتتاح الممتازة للرئيس سليم الحص، مروراً بكلمة نقيب الصحافة محمد البعلبكي وانتهاء بالخاتمة التي لخصتها »وثيقة بيروت«، مروراً بحلقات النقاش الثلاث التي شارك فيها حوالى العشرين من اصحاب التجربة الغنية والمشغولين بهمّ المصير، كانت حقوق الانسان العربي، وبالتالي دوره في القرار، هي المحور الاساسي للمداخلات، كما كان موقع العرب في عالم اليوم، ثم في عالم الغد هو الهمّ الطاغي خصوصاً وانه ظل سؤالا معلقاً: هل يكون لنا زمن او نخرج او نخرج منه؟!
كانت الريادة لبطل تحرير الجزائر ورئيسها الاول احمد بن بله، فدخل رأساً في صلب الموضوع، متحدثاً عن العولمة وآثارها، عن الثقافة ودورها، عن مخاطر الاقتلاع والتغرب، عن سخافة القول بنهاية التاريخ، مستشهداً باحصائيات وارقام مستخلصة من دراسات ممتازة ومن بيانات للامم المتحدة حول حرب الابادة الفكرية والثقافية التي يشنها الشمال على الجنوب.
اما الزميلة السابقة والمناضلة الدائمة توجان الفيصل فقد ذكرتنا بان همومنا واحدة، وان في الاردن ما يختصر مشكلات الوطن العربي، وان معركة الديموقراطية هي الاساس في حماية عروبة البلاد وفي تقدمها،
بعدها اطلق الزميل السابق والوزير الحالي في المغرب محمد اليازغي، في بيروتنا وبيروته، سنونوات التناوب الصعب ولكن الثابت في المملكة المغربية باعتباره احد التعبيرات الحسية عن الاخذ بالديموقراطية وقبول التحدي بانقلاب المعارضة الى سلطة بكل ما يرتبه ذلك عليها من مسؤولية في تأكيد التزامها بشعاراتها وببرنامجها الذي امن لها الفوز باكثرية نسبية من اصوات الناخبين.
اما عبد الباري عطوان ومعه شفيق الحوت ومصطفى كركوتي فقد اطلقوا بالصوت الفلسطيني الحي علاقة الديموقراطية بالتحرير، وخطورة الخطأ في التقدير واخراج الشعب من ساحة القرار، مستشهدين بالجرح العربي المفتوح في العراق، بينما قدم رجل المنظمة العربية لحقوق الانسان اديب الجادر مطالعة تؤكد على مسؤولية الصحافة خاصة واجهزة الاعلام عموماً، في اشاعة الوعي وفي تعزيز قضية الديموقراطية وفي استيلاد رأي عام ناضج وقادر على الزام الحكم بالاساسيات في اقامة الدول وحفظ الأوطان، مع تفاؤل بدور بيروت وصحافتها كنسمة أمل منعشة.
وبقدر ما كانت مداخلة »النهار« التي بعث بها الزميل رئيس تحريرها غسان تويني من باريس، حيث يتابع علاجه، صرخة تحذير من المخاطر التي تتعرض لها الحريات، ومن ضمنها حرية الصحافة، بسبب الدور المتعاظم للمال في التأثير وفي التوجيه، اضافة الى الانظمة، فإن الزميل عبد الرحمن الراشد رئيس تحرير »الشرق الأوسط« السعودية قدم نموذجا طيبا لاحترام حق الاختلاف، حين قال انه جاء للمشاركة في ندوة »السفير« التي كان وما يزال على خلاف في الرأي معها، لكنه مع الحوار خصوصا وان الظروف التي تعيشها الأمة، ومن ثم دور الصحافة واجهزة الاعلام فيها، تتطلب نقاشاً مفتوحاً لتبيّن أفضل السبل لحماية الذات.
كذلك كانت مداخلة الزميل رئيس تحرير »القبس« الكويتية محمد جاسم الصقر جرس انذار ينبه الى التحولات التي طرأت وسوف تطرأ على المنطقة عموماً، سواء اكانت نتيجة للعولمة وانهيار الحدود بين الدول، او للطور الجديد الذي دخله او سيدخله الصراع العربي الاسرائيلي، داعياً الى الاستعداد للتعامل مع هذه المعطيات الجديدة بما يحمي الانسان العربي وحقه في المشاركة في شؤون حياته.
وفي الحديث عن صورة العرب في الخارج، طرح رئيس تحرير »الحياة« جورج سمعان والاعلامي المتميز رئيس تحرير »عالم اليوم« عماد الدين اديب ورئيس تحرير »الانوار« رفيق خوري ومراسل »السفير« في باريس سامي كليب آراء قاسية في صراحتها ولكنها ترجع المشكلة الى اصلها: ما هي الصورة في الداخل، ولماذا نطلب من الآخرين ان يقوموا بواجباتنا، وطالما اننا متفقون على بؤس صورتنا فهل نطلب منهم ان يجملوها؟! ثم ان شؤوننا لم تعد تهم أحداً في الخارج واخبار العرب لا تحتل إلا هامشا بسيطا في الصفحات الدولية للصحف الغربية.
أما عند الحديث عن الاعلام العربي وهل هو معاصر فكان الرأي متفقا على ان العرب متخلفون في هذا المجال، شأنهم في مجالات اخرى، خصوصا وان معظم الاعلام العربي حكومي او يخضع لرقابة الحكومات، حتى في الفضاء الواسع، وقدم مراسل »السفير« في واشنطن هشام ملحم خلاصة تجربته الحية،
وكعادته فإن منح الصلح قد استولد أفكاراً جديدة تخدم قضية الحرية وحقوق الانسان عبر حديثه عن الصحافة كواحدة من مؤسسات الديموقراطية، منوها بدور بيروت ولبنان المتميز، عربياً، في هذا المجال، مؤكداً على انه لا مجال للتقدم واللحاق بالعصر ما لم تطلق حرية الرأي وحرية النقد والرقابة على تصرفات المسؤول،
أما نقيب الصحافيين في سوريا والكاتب المنقلب الى الشعر، حيث المدى ارحب، صابر فلحوط، فقد عبر في مداخلته عن خطورة القطع بين الاعلام (والصحافة) وبين قضايا الناس وبين مطامحهم، مشدداً على المسؤولية الوطنية والقومية لدور اصحاب الكلمة والرأي.
وجاءت الخاتمة موجعة عبر التقرير الشامل الذي قدمه أمين عام اتحاد الصحافيين العرب الزميل صلاح الدين حافظ، والذي ركز حديثه فيه على الاقطار العربية التي تتمتع فيها الصحافة بهامش ديموقراطي (مصر، اليمن، الكويت، المغرب، الجزائر، الأردن، ولبنان)، معدداً المضايقات والاعتداءات التي تعرض لها الصحافيون وابسطها المحاكمات واسوأها الصفع والجلد واخطرها الاغتيالات.
حديث مواجع، كانت ندوة »السفير« التي حملت عنوان »أي صحافة لأي عرب.. غداً«،
ولكن… بقدر ما كان الحضور مميزاً بمستوى المشاركين وجديته، كذلك مناخ اللقاء. لم يكن ثمة بكاء على الاطلال، ولا قصائد فخر على طريقة عنترة بن شداد، وإنما حوار جاد ومسؤول حول المستقبل، ودور الكلمة المكتوبة والتلفزيون خصوصاً في عصر الفضائيات، ودور الكومبيوتر والانترنيت والمعلوماتية والاحصاءات وعلوم الاتصال في صنع الثقافة العامة وبالتالي في صياغة الموقف السياسي العام..
لقد ازدانت بهم بيروت، ولملمت معهم »السفير« كل مخزونها من الأمل، معتذرة عن غيابنا عن شعارنا الرسالة »جريدة لبنان في الوطن العربي جريدة الوطن العربي في لبنان« بسبب حروبنا وحروبهم..
ولقد انتهينا الى اتفاق محدد على ان نسعى جميعاً لأن نتعلم لغة الغد، وان نحاول خدمة ناسنا بها، وليس بلغة الأمس،
وكان اتفاقنا مطلقاً على ان الحرية شرط حياة لهذه الأمة، وان الصحافة شاهد لا يمكن تضليله او تزويره، على وجود الديموقراطية او انتفائها.. وان ابسط مفاتيح الغد ان يكون للمواطن الحق في التعبير عن رأيه وحق المعرفة وحق الاختلاف مع الحاكم.. متى اخطأ، وجلّ من لا يخطئ (بلغة الأمس)!

Exit mobile version