طلال سلمان

تفجير دمشق يدوي في بيروت ارهاب يوحد بين ضحاياة

أصاب التفجير الإرهابي الدموي الذي ضرب بعض ضواحي دمشق، أمس الأول، بيروت، فهزها هزاً عنيفاً ومعها سائر أنحاء لبنان، وأقلقها وأحزنها بقدر ما أحزن سوريا جميعاً، ومعها الأقطار العربية كلها ومعظم دول العالم.
وليست مبالغة القول إن الأكثرية الساحقة من اللبنانيين قد رأوا أن هذا التفجير بالذات، بموقعه وضحاياه الكثر وبتوقيته »السياسي« اللافت، إنما يستهدفهم بقدر ما يستهدف إخوتهم في الجارة الشقيقة. فالضربة التي أوجعت قلب دمشق لها تردداتها الحزينة في قلب بيروت.
لقد غسل الدم المسفوح غيلة في »عاصمة الأمويين« الكثير من أسباب الغضب أو اللوم أو العتاب المعلق، والتي باعدت بين بيروت ودمشق خلال السنوات القليلة الماضية، أو هي عطلت التواصل الأخوي المفتوح بين هذين الشقيقين ـ التوأمين اللذين إذا ما افترقا اختصما وإذا ما توافقا كان ذلك دليلاً على أن الأمة بخير حال.
أعاد المصاب الجديد توحيد ضحاياه،
ومخبول أو متواطئ هو ذلك اللبناني الذي »يشمت« بسوريا لأن »نظامها الحديدي« قد عجز عن منع العملية الإرهابية التي وقعت عند بعض مداخل دمشق، فحصدت عشرات القتلى والجرحى، متناسياً أن أقوى دول العالم وأعظمها قدرات مخابراتية وأوسعها اتصالاً ونفوذاً وتأثيراً في الشرق والغرب، قد عجزت عن حماية أمنها الوطني من ضربات قاتلة، وفي عواصمها بالذات.
فالإرهاب هو الإرهاب، بشبكاته الحديدية التنظيم، وإمكاناته المادية الهائلة، وقدرته على الاختراق، وخصوصاً أنه مسلح بما هو أخطر من المواد المتفجرة: بالشعار الديني المحرّف والمحروف عن غاياته الإنسانية النبيلة، والذي يحظى بتغطية دولية هائلة، في الشرق والغرب وما بينهما، وبالتناوب حسب جدول أهدافه… ولنتذكر أفغانستان دائماً.
والإرهاب ابن شرعي للعجز عن التغيير، واعتراف مفضوح باستخدام الشعار الديني كغطاء للجريمة ضد الإنسانية وليس كمدخل إلى الثورة لتحقيق الحلم الإنساني في الحرية والعدل والمساواة.
ولبنان خبير محلف في شؤون الإرهاب، يستوي في ذلك »إرهاب الدول« الذي اندفعت فيه إسرائيل إلى حد شن الحرب واستهداف أسباب العمران فضلاً عن الإنسان، في معظم أنحاء لبنان، وإرهاب العصابات التي تلتحف الليل وتزوّر شعاراتها ويخفي قادتها وجوههم وأسماءهم الأصلية، وتقتل بدم بارد القضاة والعسكريين والمواطنين البسطاء، لا فرق بين أن يكونوا لبنانيين أم فلسطينيين أم عمالاً مياومين سوريين…
ثم إن لبنان، مثله مثل سوريا، قد استقبل وما زال يستقبل مئات الآلاف من ضحايا إرهاب الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وعشرات الآلاف من ضحايا إرهاب الاحتلال الأميركي للعراق…
وهو قد دفع ثمناً فادحاً خلال السنوات الأربع الأخيرة من دماء بعض قادته السياسيين والعسكريين والعديد من مواطنيه، الذين سقطوا ضحايا الإرهاب المنظم على شكل اغتيالات فردية أو جماعية، سواء في المخيمات الفلسطينية (نهر البارد وعين الحلوة) أم في بعض أنحاء لبنان، وفي بيروت والضاحية تحديداً.
إن منطقتنا العربية جميعاً تعيش في أسر الخوف من الإرهاب الذي يتمدد شبحه ما بين اليمن وموريتانيا، وهو إرهاب أعمى سياسياً بدليل أنه يتغافل عن الاحتلال الإسرائيلي أو الاحتلال الأميركي ثم يفجر عجزه على شكل سيارات مفخخة أو اغتيالات بالأحزمة الناسفة ضد الناس، شيوخاً ونساءً وأطفالاً ورجالاً يسعون وراء رزق عيالهم.
بل إن هذه المنطقة العربية المتهمة بتصدير الإرهاب إلى العالم تكاد أن تكون الضحية النموذجية للإرهاب المتعدد الهويات والمنابت، والذي يتلطى تحت الشعار الديني وهو ينسف المساجد والحسينيات كما في العراق، أو يضرب من أجل إثارة الفتنة في لبنان، بين المسلمين سنة وشيعة أساساً، ثم بينهم جميعاً، إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً.
على أن العملية الإرهابية ضد سوريا في دمشق، تكتسب أبعاداً إضافية، سواء من خلال توقيتها أو أهدافها المختارة بعناية لكي تحدث أوسع ضجة ممكنة من خلال تأكيد قدرتها على الضرب في »أكثر العواصم حصانة ضد الإرهاب«، وأكثر البلاد استقراراً نسبياً في هذه المنطقة التي يختلط فيها الغضب بالعجز بالنقمة على الأنظمة الخائفة ـ المخيفة.
لكأنها عملية تأديب لسوريا على مباشرة انفتاحها على العالم وانفتاح العالم عليها بعد طول حصار.
ولقد استخدمت القوى الدولية، والإدارة الأميركية بالذات، موضوع لبنان، والتجربة السورية فيه والتي انتهت بخيبة أمل قاسية، كذريعة لتشديد الحصار على الحكم في دمشق بعدما اتهمته وأدانته دون محاكمة بكل »جرائم العصر«: من مناصرة الفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي و»إيواء« قياداتهم التي يطاردها الاغتيال الإسرائيلي، إلى مناصرة العراقيين ضد الاحتلال الأميركي، ولو بصورة غير مباشرة، إلى الجريمة التي لا تغتفر وهي التحالف مع إيران والتصدي لمشاريع الهيمنة الأميركية على المنطقة، ولو بالموقف المبدئي فحسب…
والحصار المضروب على سوريا »عربي« بقدر ما هو أميركي… بل إن بعض القيادات العربية أقسى على دمشق وقيادتها من »العدو الإسرائيلي« والإدارة الأميركية التي تتولى الإمرة.
.. وهو حصار سمح لإسرائيل بتنفيذ عمليات عسكرية في العمق السوري بتهمة ملفقة لا تبرر ـ حتى في حال صحتها ـ مثل هذا التواطؤ »العربي« المكشوف مع الأميركيين والإسرائيليين، للاعتداء على الشعب السوري قبل الحكم وبعده.
وحسب التعريف الأميركي ـ الإسرائيلي للإرهاب فإن هذا الاعتداء الفظ على العمق السوري عند حدود العراق (دير الزور) لا يقع في هذه الخانة… فإرهاب »الدول« مشروع، وليس كإرهاب العصابات ذات الشعار الديني المزوّر.
[ [ [
إن العملية الإرهابية الجديدة ضد سوريا لا يمكن فصلها عما حصل ويحصل في لبنان، شمالاً وعاصمة وجنوباً وبقاعاً وسائر الأنحاء.
إن الإرهاب واحد مهما تعددت تنظيماته واختلفت شعاراته لأسباب تكتيكية، أو بسبب من اختلاف الظروف أو الجهات الموجهة، أو التحالفات بالمصلحة…
وبالتأكيد فإن ردة الفعل الرسمية والشعبية المستنكرة والشاجبة بل والغاضبة، في لبنان، والتي شملت المراجع الرسمية والقوى السياسية على اختلافها، تشير إلى أن اللبنانيين عموماً قد فهموا »الرسالة الجديدة«: إن التنظيمات الإرهابية التي ضربت في لبنان، فقتلت وهدمت وشردت، هي على صلة رحم بالتنظيم الإرهابي الذي ضرب في دمشق، وللأهداف ذاتها.
إن لبنان وسوريا »في خندق واحد«، بالاضطرار هذه المرة وليس بالرغبة فحسب… فثمة عدو مشترك يضرب هنا وهناك، والهدف واحد: الاستقرار، الذي تؤكده وتوطده وتحميه الوحدة الوطنية.
أما التفسيرات البوليسية المضحكة والبائسة التي تروّج لها إسرائيل وبعض الأوساط العربية، فلا تخدم إلا هؤلاء الإرهابيين الذين سبق أن »ضربوا« في العديد من العواصم العربية والإسلامية، والذين سوف يضربون مجدداً في كل مكان طالما ظلوا يجدون من يساعدهم مباشرة، أو يغطيهم بأن ينسب »إنجازاتهم« إلى ضحاياهم.
وغداً سوف يقول هؤلاء، ما قاله اللبنانيون من قبل: لقد أُكلتُ يوم أكل الثور الأبيض!

Exit mobile version