طلال سلمان

تفجيرات رياض رد سياسة مع امن

أخطر ما في تفجيرات 12 أيار 2003 التي ضربت السعودية في قلب عاصمتها الرياض، أنها ليست »حادثة أمنية«. إنها »جريمة سياسية منظمة بأدوات أمنية«.
وليس أخطر من الخطأ في توصيف هذه الجريمة إلا الخطأ في الرد عليها بمزيد من الإجراءات الأمنية، ثم تبقى »الحالة السياسية« رهينة لتفجيرات أخرى قد تقدم عليها »خلية أخرى« من خلايا هؤلاء الفتية المتعصبين الذين يعتبرون أن إقدامهم على قتل الأميركيين هو أقصر طريق إلى الجنة حيث مآل الشهداء.
أما التحليل الأولي فلا بد أن ينتهي إلى استخلاص مفاده: أن منفذي هذه التفجيرات لم يستهدفوا قاطني المجمعات السكنية الثلاثة في العاصمة السعودية طلباً لثأر لهم عليهم، بل أنهم قتلوهم من دون أن يعرفوهم، لا بأشخاصهم ولا بهوياتهم، ومن دون أن يتبيّنوا أن أكثريتهم من غير الأميركيين، وأن بينهم أخوة لهم للمنفذين طالبي الشهادة في العروبة أو في الإسلام، ومن ضمنهم ربما بعض من تجمعهم بهم صلة قربى، من مواطنيهم.
لقد قاد العمى السياسي خطوات هؤلاء المتعصبين، المغلقة قلوبهم لانغلاق عقولهم، وافترضوا أنهم قد اختاروا موعدهم مع الشهادة بهذه التفجيرات حسنة التخطيط، وأن الزيادة في أعداد ضحاياهم تزيد من مكانتهم في الدار الآخرة، كما تجعلهم »قدوة صالحة« لرفاقهم الطامحين إلى قتل الأميركيين بوصفهم كفاراً يدنسون الأرض المقدسة وليس بوصفهم محتلين يستعمرون التراب الوطني ويتحكّمون بثروة البلاد وقرارها السياسي.
على هذا فإن رد القيادة السياسية يجب أن يتجاوز الجريمة، بمعناها الأمني، ليعالج جذورها السياسية بمسؤولية وبوعي وبقدرة على التمييز بين الدوافع المباشرة لهؤلاء المنفذين المقادين بالكراهية وبالقصور الفكري، وبين الأسباب العميقة لنفور العرب والمسلمين عموماً من التجبّر الأميركي ومن سياسة الإكراه التي تعتمدها معهم الإدارة الأميركية، ومن الانحياز إلى حد التماهي الكلي مع الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين والمذبحة اليومية المتصلة التي ينظمها ويتوغل فيها أكثر وأكثر السفاح أرييل شارون على مدار الساعة.
ولقد يكون بين دوافع هؤلاء المنفذين، على قصورهم، إحساس بالمهانة لأن الإدارة الأميركية تعامل الدول العربية بما في ذلك السعودية بامتهان، ولا تظهر للعرب كلهم أي قدر من الاحترام، بل هي تفرض عليهم ما تقرره وليس عليهم إلا التنفيذ… والعصا لمن عصى.
ولقد يكون هؤلاء المنفذون قد شعروا بأن الإدارة الأميركية قد امتهنت وهي ما تزال تمتهن إسلامهم فردوا بأن وجّهوا رصاصهم بالتعصّب الى الإسلام نفسه، لأن جريمتهم ستحسب على المسلمين، برغم ان كثيراً من المسلمين هم بين الضحايا!
ومفهوم ان يكون الرد: ليس من حق »البن لادنيين« ان يحددوا لنا ما هو الإسلام، وأن يفرضوا علينا فهمهم الخاطئ للدين الحنيف، وبالاستطراد ان ينكروا إسلام كل من لا يرى رأيهم ومن لا يقر أسلوبهم أو تعصبهم المدمر.
بالمقابل فليس من حق الأميركيين ان يحددوا للحكم في السعودية، أو في غيرها من الأقطار العربية، علاقاته بشعبه.
ولا يجوز بأي حال ان يبدو وكأن الأميركيين هم المدافعون عن حق الشعب بالديموقراطية والحريات في حين ان الحكم يمنعها، وبالتالي فإنه »لا يسمح« بها إلا مكرهاً وتحت ضغط »المتحكم الأميركي الكافر«.
ومرفوض هو منطق الرئيس الأميركي جورج بوش الذي استخدمه في رد فعله الأولي، على جريمة التفجيرات، من ان »اليد الأميركية« الطويلة ستصل إلى منفّذي هذه العملية وأن »العدالة الأميركية« ستقتص منهم.
فالحساب على الجريمة، بالمعنى الأمني كما بالمعنى السياسي، هو مسؤولية الحكم في المملكة العربية السعودية، وأي تجاوز لهذا الحكم يسهم في إضعافه، فضلاً عن انه يمس بالكرامة الوطنية لهذه الدولة التي تتخذ من »لا إله إلا الله« شعاراً لها.
إن قتل أي إنسان جريمة، والقتل الجماعي بغير سبب ومن دون تمييز، هو جريمة ضد الإنسانية، وضد الدولة المعنية بطبيعة الحال.
في هذا لا فرق بين عربي وأعجمي، حتى لو كان أميركياً..
فمقاومة الاحتلال لا توجب بل لا تقر، سياسة القتل، عموماً، فكيف بتنظيم مذبحة ضد مدنيين قد يكون بينهم بعض الاميركيين.
ان لمقاومة الاحتلال اصولها وضوابطها. وليس القتل بالمطلق جهاداً. وليس كل من لا ينتمي الى الدين الاسلامي كافراً يتوجب قتله، وليس كل زائر لبلادنا هو ممثل للامبريالية والاستعمار والهيمنة، او عميل للمخابرات المركزية الاميركية او عامل لها وفيها.
إن مقاومة الاحتلال واجب وطني كما انه واجب ديني.
لكن القتل على الهوية، او قتل المدنيين على الشبهة، وقتل النساء والاطفال وأصحاب الخبرات الذين يجيئون للعمل في بلادنا وبطلب منها، لا يمكن ان توصف بأقل من انها جريمة ترتد بضررها الفادح سياسياً على منفذيها الواهمين انهم بذلك انما يتمون جهادهم بالاستشهاد.
ولو ان منفذي التفجيرات في الرياض كانوا يطلبون »الجهاد« لما وجدوا اوسع من ميدانه.. لان معظم الأرض العربية (والارض الاسلامية) يرزح الآن تحت الاحتلال، وأول العناوين فلسطين، والآخر فيها (وليس الاخير) العراق..
مع ذلك فإن المسألة تتعدى النطاق الامني الى السياسة، ولا بد ان يجيء الرد في ما يتجاوز الامن، سياسياً.
وأخطر ما في امر هذه الجريمة ان يتوقف الحكم السعودي عن انجاز الخطوات الاصلاحية التي كان باشرها، على طريق اشراك الشعب في تلك البلاد الغنية بالقرار.
بل ربما كان بين اهداف الجريمة ان يربطها الحكم بخطواته الاصلاحية، تاركاً للمنفذين ان يتباهوا بأنهم قد حققوا غرضهم، مخيباً أمل النخب السياسية والاجتماعية التي كانت قد توجهت إليه من موقع الحرص على الوطن والدولة والنظام بمذكراتها، ثم لبت دعوات قيادته فجاءته محاورة، للتفاهم على المسيرة الطويلة نحو بعث الحياة السياسية، وإشراك الشعب في القرار… وهي ككل مسيرة تبدأ بخطوة أولى.
ونفترض ان الحكم، وبواقع تجربته، اوعى من ان تشلّه مثل هذه الضربة، فيوقف مسيرة الاصلاح تاركاً للاميركيين ان يحققوا مع الامن والعدالة مطالب السعوديين في المساواة والديموقراطية!.

Exit mobile version