بعيداً عن التفسيرات المتعجلة أو الاستنتاجات البوليسية فإن مجمل التطورات والتداعيات التي توالت بامتداد ليل أول من أمس ونهار أمس، تدل على خطورة المناخ المحتقن بالعواطف والغرائز وروح الثأر والانفعالات التي يسهل استثمارها، بحيث يصعب التمييز من خلال النتائج بين ما هو عفوي وما هو مقصود لتحقيق الهدف الخبيث وهو الفتنة.
وببساطة، يمكن إدراج ذلك كله في سياق المقدمات طلباً لنتائج مغايرة لما كان مأمولاً أن يسود بفضل مؤتمر الحوار وما أنجزه، والذي يقف الآن أمام الامتحان الجدي: موضوع المقاومة وسلاحها، أو الاستراتيجية الدفاعية التي تحمي لبنان .
سيدخل المؤتمرون إلى قاعة الحوار، يوم الخميس المقبل، وهم أكثر اختلافاً وافتراقاً منهم يوم جلستهم الأولى في الثاني من آذار الماضي.
ثم إن الدول لن تكتفي بعد الآن بالوقوف عند الباب، تراقب وتتابع عن قرب، وتتلقى من أصدقائها ملخصات أو حتى محاضر عن مجريات الحوار في الداخل. لقد باتت الآن طرفاً، سواء مباشرة أو عبر القرارات العديدة التي استولدتها قيصرياً في مجلس الأمن الدولي، وصار من الضروري أن تفرض حضورها الثقيل حتى لا يفلت من أيديها الزمام، ويندفع المؤتمرون بالعاطفة أو بالمداراة إلى تثبيت إسرائيل بصورتها الأصلية كعدو وطني وقومي وإنساني.
وما دامت المقاومة هي الموضوع فمن البديهي أن تكون إسرائيل بقوى حمايتها العظمى حاضرة، ناظرة، وفي موقع هجومي.
ولأن الدول حاضرة بثقلها، فإن العرب أو من تبقى من دولهم المعنية بالشأن اللبناني سيقفون عند الباب، ينتظرون أن يسمح لهم بالتدخل ولو للترجمة أو إعادة الصياغة بحيث يلطف المرفوض فيقبل أو يصمت عنه فيمر، وهذا أضعف الإيمان…
وبالطبع فإن ضيف الشرف الذي سيرف بجناحيه من فوق قاعة المؤتمر سيكون تيري رود لارسن، لا سيما وقد فضحت إسرائيل محاولته لأخذ بعض المسؤولين اللبنانيين إلى حيث لا يجب ولا يريدون أن يكونوا.
بالمقابل ستتردد في القاعة أصداء لما جرى في صيدا قبل أسبوع، حيث اغتالت المخابرات الإسرائيلية مجاهدين من أبناء هذه المدينة الباسلة، ولما أعقبه من اعتداء إسرائيلي بالنار جواً وبراً ومن رد بالنار عليه، على امتداد الحدود مع فلسطين المحتلة.
ولسوف تتردد في القاعة أيضاً وأيضاً أصداء لما حرّك العديد من القوى السياسية فأخذها إلى طرابلس لتحيي الذكرى التاسعة عشرة لاستشهاد الرئيس رشيد كرامي، بينما المتهم بالجريمة يرتاح على كرسيه في مؤتمر الحوار بفضل العفو الخاص الذي ناله فأبطل حكماً وجاهياً أصدره بعض أفضل قضاة لبنان في محاكمة علنية رافع دفاعاً عنه فيها مجموعة من أهم رجال القانون…
على أن الأخطر في هذا السياق أن بعض المؤتمرين سيستخدمون بعض وقائع أمس، والليل المتفجّر الذي سبقه من حول بيروت وفي عدد من ضواحيها، لإلزام المقاومة بموقع الدفاع عن نفسها، بينما هي قد انتدبت دمها وعقلها ونجحت بشهادة العالم كله في الدفاع عن لبنان وتحرير المحتل من أرضه قبل ست سنوات فقط، ولكنها تبدو الآن طويلة كدهر.
لكأن المصادفات التي جاءت متراصفة من فعل فاعل، بسبب من توقيتها الدقيق.
? ? ?
بس مات وطن : صار بإمكان النص التهريجي أن يحرّض على الفتنة أو أن يعجّل في موعدها الذي تعمل له الدول ، مباشرة أو عبر رجالها في الداخل، وهم كثر.
مَن عنده فائض من الوقت للتفكير، مجرد التفكير، بإسرائيل كعدو ما دام يشغل نفسه بأعداء كثيرين هم أهله في البداية والنهاية؟!