طلال سلمان

تضامن يحمي يقين

ليس في السياسة عواطف،
لهذا يقدّر لبنان تقديرا عاليا زيارات القادة والمسؤولين العرب، لأنها تعبّر عن موقف سياسي يتجاوز العاطفة الطبيعية للشقيق تجاه شقيقه، كما يتجاوز العون المادي، بالغا ما بلغ، للتخفيف من آثار الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة والتي تكاد تذهب بما تبقى من »القرش الأبيض« المخبوء لليوم الأسود، (علماً بأنها عادة غير مألوفة عند اللبنانيين).
يا أهلنا… نوّرتمونا!
نوّرتمونا بعودتكم إلينا، فالعودة بذاتها، أي بدلالاتها السياسية العميقة أهم وأخطر في نتائجها الحسية من إسهامكم أو مساهمتكم في إعادة التيار الكهربائي إلى بلد النور الذي تجهد إسرائيل باعتداءاتها العسكرية كما بمناوراتها السياسية لتدمير دوره قبل بنيته التحتية!
إن قدومكم إلى لبنان يحمي اليقين الذي كان قد بدأ يهتز ويتداعى بفعل الغياب الطويل أو التجاهل بدافع الخوف (؟) أو التضامن الشكلي بالتصريحات البليدة والكتابات الإعلامية ذات اللغة الخشبية، حتى مال الناس إلى اعتبار »وحدة الانتماء« و»وحدة المصير« و»وحدة المعركة ضد العدو القومي الواحد« حديث خرافة تحدر إلينا من زمن مضى وانقضى ولن يعود.
يا هلا بالشيخ صباح يهل علينا، كما أيام زمان، بعد الزيارة المنعطف للرئيس محمد حسني مبارك،
يا هلا وقد جاء مسبوقاً بالموقف السياسي الممتاز والمميز لنواب الكويت وحكومتها، إضافة إلى الكويتيين رجالاً ونساءً، دعماً لصمود لبنان وتوكيداً للوقوف إلى جانبه في مواجهة الاعتداءات وغارات التدمير والحرب النفسية التي يشنها عليه، على مدار الساعة، الاحتلال الإسرائيلي،
فمع كل مسؤول عربي يجيئنا في بيروت، ومع كل موقف تضامني جدي يتخذه أي طرف عربي، سواء على المستوى الشعبي (الطلاب خصوصاً) أو على المستوى الرسمي (ولو بإرجاء زيارة رسمية لمسؤول إسرائيلي، كما فعل رئيس مجلس الشعب المصري) يتعزز فينا إيماننا بأننا لسنا وحدنا ولسنا منسيين ومتروكين لمصيرنا، وبأن أهلنا على البُعد لم ينكرونا ولم يتنكّروا لدمائنا وأرزاقنا وأعمارنا المسفوحة على مذبح الشهادة في ميدان المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي… خصوصاً أن هذا العدو كثيراً ما استعان علينا ببعض »المهرولين« من »إخوتنا« الذين ذهبوا إليه أو استقبلوه وهو يقصف منشآتنا ويحرق بيوتنا ويدمر مدارسنا على أطفالنا ويقتل الأقلام والكراسات وكل ما له علاقة بالنور أو التنوير!
ها هم إخوتنا الأشقاء يعودون، ولو متأخرين، إقراراً صريحاً منهم بأن المقاومة في لبنان شرف للعرب جميعاً، وليست إرهاباً كما تصر الولايات المتحدة على وصفها متجاوزة حتى التوصيف الإسرائيلي لمجاهدي »حزب الله«..
فالإسرائيليون يرون في المقاومة إجمالاً و»حزب الله« خصوصاً أعداء لجيشهم المحتل، أو حتى للكيان الإسرائيلي، أما الأميركيون وعلى لسان وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت، ثم على لسان »فتاها« المدلل والناطق باسمها جيمس روبن، فهم يعتبرون هؤلاء المجاهدين أعداء للسلام »يحاولون قتل السلام للشعب اللبناني وقتل السلام لشعوب الشرق الأوسط«!
طبعاً، أليس »حزب الله« مَن دمّر الكهرباء في واشنطن، ونسف الجسور في سان فرنسيسكو وفي نيويورك، وقتل طلاب المدارس في فيلادلفيا وبوسطن؟!
ولقد زاد من تقديرنا لدور مصر وصاحب المبادرة التاريخية في العودة بها إلى لبنان، الرئيس حسني مبارك، ما تقوَّله عليه هذا الأميركي الليكودي، جيمس روبن، حين »نصحه« بقوله: »نحن لا نعتقد أن من الحكمة دعم أعداء السلام، وأن »حزب الله«، كلمة وعملاً، يحاول قتل عملية السلام«.
ولن نتسرع فنتهم مَن يقصر مع لبنان بأنه قد انحاز بالخوف أو بالمصلحة الى جيمس روبن (أو إلى إيهود باراك!)، ولكن من حقنا أن نزيد من تقديرنا وحبنا للذي اختار أن يقف مع لبنان المقاوم، وأن يزوره ليس ليواسيه أو ليعوّضه بعض ما خسر من بنيته التحتية بل لكي يجهر بدعمه لصموده، خصوصاً أن لبنان حكماً وشعباً لا يقاتل لإلحاق الهزيمة بإسرائيل بل ليحرر أرضه طالما قد تعذر عليه استعادتها بالقرار الدولي 425، أو بالمساعي الحميدة »للمهرولين« العرب.
وبهذا المعنى فإننا نفهم مساندتنا وتعزيز الصمود اللبناني السوري، في حدود وظيفتها الفعلية وبلا أوهام: إنها مساندة بهدف الوصول إلى تسوية مقبولة ومحدودة بحدود الاحتلال، وليست مشاركة في »حرب الشعب« لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر.
وبهذا المعنى نرى من حقنا أن يكون العرب إلى جانب لبنان وسوريا، وأن يساعدوا بثقلهم في إعادة الولايات المتحدة للعب دورها كراع للتسوية ووسيط نزيه، وليس في ثياب »رامبو« المستعد لقتل التسوية نفسها حتى لا يخدش جندي واحد من جنود الاحتلال الإسرائيلي فوق الأرض اللبنانية، أو لا يتأثر مستوطن واحد من المستقدمين من بلاد الله الواسعة إلى هضبة الجولان السورية بتغيير وسادته أو نوع نبيذه.. الفاخر!
مرة أخرى: يا هلا بالشيخ صباح… في انتظار سائر »الشيوخ« القادرين!

Exit mobile version