طلال سلمان

تصدير فتنة الى عراق

لا يمكن، ولا يجوز اختزال العراق في شخص صدام حسين. كان العراق قبل صدام حسين وسيبقى بعده بالتأكيد، برغم كل المآسي الوطنية والقومية التي تسبّب فيها حكم الطغيان الذي امتد طويلاً حتى أنهك الشعب العظيم في أرض الرافدين وأعجزه عن المقاومة وغيّبه تماماً عن معركة حماية الوطن من الاحتلال الأجنبي.
لقد استسلم صدام حسين للاحتلال الأميركي. لكن شعب العراق لم يكن معه في تلك الحفرة النتنة التي التجأ إليها، في ساعات المطاردة الأخيرة، ولعله لم يكن يرغب له بمثل هذا المصير… فشعب العراق هو الأولى بمحاسبته عما يرى أنه قد ارتكبه بحقه من خطايا وأخطاء تتجاوز حدود الجرائم الجماعية الى حد تدمير الدولة وتهديد الوطن بخطر التفكك.
إن شعب العراق هو الباقي، وبين أهم الشروط لبقائه حفاظه على وحدته الوطنية وهويته العربية التي لا تلغي حقوق »أقلياته القومية« في دولته الحاضنة لكل مواطنيها، على اختلاف العرق أو العنصر أو الدين أو المذهب أو الطائفة.
ومن حق شعب العراق على أخوانه العرب، وقد عجزوا عن مناصرته في مواجهة الاحتلال، ألا يناصروا الاحتلال الأميركي عليه.
لكن بعض الأنظمة العربية لم تكتف بمناصرة الاحتلال وهو يستعد لغزو العراق، بفتح أرضها وسمائها وبحارها أمام جحافله، بل هي تناصره الآن مرة أخرى وتنصره على شعب العراق، وذلك بنفخها في جمر الفتنة لإيقاظها… مساهمة منها في بناء الديموقراطية الأميركية وتعزيز حقوق الإنسان.
والتصريح الذي أطلقه، بالأمس، وزير خارجية الأردن، مروان المعشر، حول »وضع السنة في العراق« باعتبارهم »الطرف المستهدف والمظلوم في المعادلة«، ومطالبته بضرورة »أن يطمئنوا وأن يُنصَفوا«، يمكن اعتباره النموذج الفاقع على نهج التواطؤ الرسمي العربي مع الاحتلال ضد العراق، دولة وشعباً.
إن وزير خارجية »الملك المصالح«، من قبل أن يولد، والذي كان أول سفير للنظام الهاشمي لدى العدو الإسرائيلي، إنما ينطق باسم كل أولئك الحكام العرب الذين يتآمرون مع الاحتلال الأميركي ضد شعب العراق، ويموّهون تواطؤهم هذا بالعصبية المذهبية والحرص على »حقوق السنة« في حكم عراق اليوم والغد!
لقد جهر المعشر بما يتهامس به حتى من قبل واقعة الاحتلال العديد من أقطاب الأنظمة العربية الذين لم يشفقوا على العراق من طغيان صدام حسين بل ساندوه ضد شعبه جميعا، بعربه وكرده وتركمانه وأشورييه وكلدانه، بمسلميه سنة وشيعة، بمسيحييه وصابئته ويزيدييه، ولا هم أشفقوا على العراق من الاحتلال الأميركي، ثم رفعوا عقيرتهم الآن بما يذكي نار الفتنة بين العراقيين لكي يستتب الأمر للمحتل فيكافئهم بتثبيتهم على عروشهم، أو هكذا يفترضون، بالشراكة الكاملة مع الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين.
(للمناسبة: لم نشهد مثل هذه الغيرة من مروان المعشر، ومن
ينطق باسمهم، على الفلسطينيين في فلسطين وأكثريتهم الساحقة من السنة… وهم يضطهدون ويذلون ويقتلون على مدار الساعة يوميا، وعلى مرمى البصر من الوزير الذي كان سفيرا لدى سفاحهم الإسرائيلي).
إن العراقيين، بأكثريتهم الساحقة، أمنع وطنية، وأصفى تديناً، من أن يؤثر فيهم هذا التحريض على الانشغال بأنفسهم عن المحتل.
ويعرف العراقيون، يقينا، أن جيوش الغزو الأميركي لم تتكبد كل هذه المشاق، فتجيء إليهم في أرض الرافدين، بالطائرات الشبح والصواريخ التي بقوة تدمير قنابل ذرية صغيرة، وبالدبابات والمصفحات والأقمار الصناعية والمارينز، لكي تنصر شيعتهم على سنتهم، من أجل تحقيق العدالة الطائفية تمهيدا لتحقيق الديموقراطية السياسية.
ليس للطاغية دين أو مذهب.
لم يحكم صدام حسين باسم السنة، وهو لم يظلم أو يضطهد فئة من العراقيين بعينها. لقد اضطهد الشعب جميعا، وأول من حطّم في العراق كان حزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان يحكم زوراً بشعاره.
أما الاحتلال فلا يتعامل مع العراقيين بطوائفهم، حبا أو محاباة لهذه الطائفة أو تلك، بل لضرب وحدتهم وتقسيمهم وذر الفتنة بينهم لتستتبّ له السيطرة على الوطن العراقي جميعا.
والأمل أن تكون هذه النهاية البائسة لصدام حسين بداية لإعادة تجديد الوحدة الوطنية في العراق التي صدّعها الطاغية فجاء الاحتلال يستثمر التصدع لفرض هيمنته على جميع العراقيين ومن ثم مدها إلى من جاورهم من العرب الآخرين بذريعة حماية بعضهم من بعضهم، وحماية مجموعهم من حكامهم، وحماية إسرائيل منهم جميعا.
لقد سقط صدام. فلتكن الولادة الجديدة للعراق المقاوم من أجل حريته وهويته ودولته الموحدة لشعبه في أرضه جميعا.

Exit mobile version