طلال سلمان

تزكية اسرائيلية موقف لبناني

من حق لبنان وهو يستمع الى ما يقوله الضحايا العرب للسلام الاسرائيلي، في هذا »السلام« وعنه، ان يهنئ نفسه على انه ما زال خارج ذلك الجحيم!
انه، حتى وهو يعيش هاجس الضربة الاسرائيلية المحتملة، أفضل حالا بما لا يقاس من كل اولئك الذين اندفعوا الى الاتفاقات وكأنها تعني »الخلاص« وتفتح باب الامان والرخاء والنعيم الاقتصادي، ليكتشفوا متأخرين ان تلك مجرد أوهام ينقضها الواقع المخيف سياسيù وأمنيù واقتصاديù.
ان النموذج الفلسطيني يقدم صورة صارخة للتناقض المفجع بين وهم السلام الاسرائيلي وبين حقيقة الموت اليومي على امتداد الأرض الفلسطينية، اذلالاً واعتقالاً وتجويعù ونسفù للبيوت وحرمانù من أبسط الحقوق الانسانية بما يتجاوز ما كان سائدù ومعتمدù أيام الاحتلال الاسرائيلي (العسكري المباشر).
وطالما لم يفرض على لبنان مثل هذا السلام الاشوه، فمن حقه ان يفترض انه سيستمر متمتعù بالسلامة العامة، داخليù، وبقدر من الاحترام عربيù، وبشيء من الاهتمام دوليù، اضافة الى التهيب الاسرائيلي أمام التكاليف الباهظة لاجبار لبنان على الانضمام الى هذا النادي المهدد بالسقوط على المنتسبين اليه.
فعبر التجربة الفلسطينية المرة ثبت، وبالدليل الحسي، ان اسرائيل عبء على »مسالميها« أكثر منها على من تستمر في مناصبتهم العداء، كلبنان وسوريا،
أما اذا أخذت التجارب »السلامية« الثلاث، مع الفلسطينيين أساسù ثم مع النظام الاردني وقبله مع النظام المصري، لتبين ان عداوة اسرائيل أقل ضررù وإضرارù من »سلامها« المتفجر بمن تورط فيه.
لقد دفع الفلسطينيون منذ التوقيع على اتفاق اوسلو وحتى اليوم، وهم ما زالوا يدفعون، وسيستمرون في الدفع حتى يقضي ا” أمرù كان مفعولا، ثمنù باهظù لذلك السلام الأشوه يفوق بكثير ما دفعوه عبر مواجهاتهم المباشرة لاسرائيل كقوة احتلال.
دفعوا من دمائهم ومن اقتصادياتهم، من أمنهم الذاتي ومن حقوقهم البسيطة في العمل والتعليم والتنقل، ولو باذن الاحتلال وتحت رقابته،
ودفعوا من وحدتهم الوطنية التي ظلت حتى الأمس امنع من ان تصدعها الخلافات السياسية بين سلطة عرفات ومعارضيها،. والتي تعيش الان لحظة خطر شديد نتيجة لاندفاع السلطة المحموم الان لاسترضاء وحش التطرف الاسرائيلي، الذي يقوده الان »المعتدل« شمعون بيريز.
ان أعباء رعاية »الشريك الأكبر«، والمناخ المسموم الذي يطلقه النقص الفاضح في هذا السلام، كل ذلك يكاد يخنق عرفات و»سلطته«… فأوسمة الجدارة والتنويه بالكفاءة والاشارة اليومية من طرف القيادات الاسرائيلية لا تفعل غير تضييق الخناق على »الرئيس« المضطر لأن يبرر رئاسته يوميù ومرتين امام جهتين متعارضتين!
ان الرعاية الاسرائيلية ليست اكثر من معانقة تنتهي بخنق »الشريك« الاصغر،
و»السلام«، بهذا المعنى، يلغي الطرف العربي ولا يستحضره،
والازمات التي يعاني منها لبنان، مثلاً، او سوريا، هي أقل خطورة وحدة وأقل انعكاسù بالضرر على المستقبل، من تلك التي يعيشها الذين انجزوا توقيع اتفاقات »السلام« مع اسرائيل،
ولبنان الذي يطول النقاش حول »حضوره« دوليù،
ليس أقل حضورù وتأثيرù من معظم تلك الدول التي أُحضرت إلى شرم الشيخ بمذكرات جلب، والتي لم تُعطَ اكثر من دور »المخبر« ومن شرف الوشاية بالمعارضين لانظمتها بجعلهم اعضاء في تنظيمات الارهاب الدولي التي تملأ الدنيا!
ان المقاومة تستحضر لبنان، أكثر فأكثر، وتفرض الاعتراف به طرفù، في حين انه من دونها كان نسيù منسيù، يحاول عبثù الاستقواء بالقرار 425 الذي تنصّل من أبوته كل آبائه الشرعيين، وما اكثرهم!
هذا مع التنويه بأن لا احد في لبنان يرغب او يحرض على الذهاب إلى الحرب ضد الولايات المتحدة او حتى ضد اسرائيل،
ومع التذكير بأن السلام ليس عرضù اسرائيليù (او اميركيا) سخيا ومجانيù يرفضه التطرف في لبنان.
ان الاستماع إلى صرخات الاحتجاج الصادرة عن »الشركاء العرب« في »السلام الاسرائيلي«، بمضامينها الصريحة، والتي لا تلقى أي اذن صاغية لا في تل ابيب ولا في واشنطن، تزكي الموقف اللبناني ويفترض ان تحصنه.
والتحصين يكون بالحرص على التكامل بين الموقف الرسمي وبين موقف المقاومة، بحيث لا يسقط أيهما في فخ المهادنة او التهدئة الموقتة او في فخ الاستهانة بقوة اسرائيل وبالاثار السياسية (والأمنية) لقمة شرم الشيخ.
ان السلام الاسرائيلي، بالرعاية الاميركية، مشروع دولي لا مكان فيه لند عربي،
وهذا »السلام« يقزم الطرف العربي ويجعله مسألة داخلية اسرائيلية، هي مع الفلسطيني مشكلة أمنية، وهي مع الاردن وحتى مع المصري مشكلة من طبيعة اقتصادية تتصل باحلام بيريز في الشرق الاوسط الجديد.
وبالحساب البارد للربح والخسارة فليس في مصلحة لبنان ان يحظى بمثل هذا الموقع المكلف.

Exit mobile version