طلال سلمان

تزامنا مع لاهاي: تشريح “للجنون” السياسي للعدو

غزة ـ حلمي موسى

وفي اليوم السابع والتسعين، يكبر الأمل فينا كل يوم بزوال الاحتلال وقرب تحقيق شعبنا لحقوقه.

**

تبدأ اليوم في لاهاي محاكمة تاريخية للاحتلال وإجرامه. وتجري هذه المحاكمة، خلافا لأي محاكمات أخرى، في ظل ظروف دولية غير مسبوقة تنفصل فيها حكومات كثيرة في العالم عن شعوبها. وللمرة الأولى، تصل قضيتنا العادلة إلى كل بيت في العالم تقريبا، وتحرّك في الناس مشاعر غضب شديد ضدّ الاحتلال، وضد المناصرين له.

صحيح أن هذه ليست المرة الأولى التي يمكن للمحكمة الدولية أن تنصر شعبنا. اذ سبق ونصرت شعبنا في قضية الجدار الفاصل. كما نصرت لجنة التحقيق الدولية برئاسة غولدستون شعبنا. لكن السياسة الدولية، خصوصا في ظل الهيمنة الأميركية، أرست في العالم فعليا نظاما يكيل بمكيالين. هناك قانون للعالم الضعيف وقانون للعالم القوي. وحتى اللحظة، تهيمن الولايات المتحدة على ميزان القانون الدولي، وتسمح لنفسها ولإسرائيل بالإفلات من العقاب.

فالمحكمة الدولية بحاجة الى قوة مجلس الأمن الدولي لمنح أنياب ومخالب لقراراتها. وواشنطن تملك حق الفيتو في مجلس الأمن، المكلّف بتوفير الفعالية والصلاحية الفعلية لقرارات المحكمة.

صحيح أن التحركات الشعبية في الولايات المتحدة وباقي دول العالم صارت تحرج الإدارة الأميركية والحكومات التابعة لها. وصحيح أن غالبية هذه الحكومات صارت تطلق تصريحات منتقدة لإسرائيل، ولكن الفارق كبير بين التصريحات وبين تنفيذ القانون الدولي.

لا يعني ذلك أن لا قيمة لما يجري، ولكنه يعني أن علينا الانتباه لما هو أشدّ تأثيرا. وما هو أشد تأثيرا في حالتنا هو صمود شعبنا واشتداد مقاومته، وتكبيد العدو، على الدوام، ثمن عدوانه.

ومن الجائز أن من بيننا كثيرين، في حمى الوضع الكارثي والصعب الذي يعيشه شعبنا النازح، يعتقدون أن اسرائيل لم تفقد قدراتها. ولكن الحقيقة هي أنها اليوم أقلّ قدرة وأشد ضعفا من أي وقت مضى.

في ما يلي شهادة آري شافيت في “يديعوت احرنوت” عن نظرة الداخل الاسرائيلي بالحرب ومعانيها. وهناك أهمية كبيرة لقراءتها بإمعان.

كيف تدار حرب طويلة

آري شافيت

الحقيقة مرة. بعد نحو مئة يوم من بداية الحرب لم يجهز الجيش الإسرائيلي على “حماس” في غزة. لم يبعد “حزب الله” عن الحدود الشمالية ولم يحرر الـ 136 مخطوفا الذين تبقوا في القطاع. النار الصاروخية تطلق بين الحين والآخر إلى النقب الغربي. نار ثقيلة تطلق كل يوم نحو الجليل الأعلى وأقاليم كاملة مهجورة. وفي الوقت نفسه، هناك نحو 250 ألف إسرائيلي مازالوا مجندين، نحو 125 ألف إسرائيلي نازحين. ومسارات الملاحة مهددة، ومواقع إستراتيجية تتعرض للهجوم. الوحدة الوطنية تتآكل، الشرعية الدولية تتفجر، والاقتصاد في ضائقة. حتى بعدما فقد نحو 1400 إسرائيلي حياتهم، وأصيب 12 ألفا، فإن أهداف الحرب لم تتحقق والحسم بعيد. نعم، سننتصر. معا سننتصر. لكن الطريق الى النصر ستكون طويلة جدا جدا.

هذا هو لب الموضوع: حرب طويلة. منذ 1948 لم تشهد إسرائيل حربا مدّتها طويلة كهذه. إسرائيل أيضا غير جاهزة لحرب طويلة. فمفهوم الأمن القومي، وخطة العمل العسكرية الإسرائيلية والروح الإسرائيلية طالبت دوما بحروب حسم قصيرة وساحقة. لم يستعد أحد هنا لحرب تمتد سنوات على نمط حرب الاستقلال الأولى او الحرب العالمية الثانية. الساحة السياسية، والوعي، والنفس أيضا، ليست جاهزة لذلك. نحن في حرب إقليمية غير معروفة لم نشهد مثلها منذ 75 سنة.

الحكومة الحالية غير قادرة على التصدي لحرب طويلة الأمد. فأي اختبار وطني أعلى، من النوع الذي نشهده، يتطلب سياسة خارجية سليمة، وسياسة اقتصادية حكيمة، وإستراتيجية عامة مسؤولة وإبداعية.

لا يمكن تطبيق أي من ذلك عندما يقبض المتطرفون ومن يهذون على خناق الحكم. والحرب الدموية المتواصلة تحتاج الى قيادة وطنية موحَدة وموحِدة، تتمتع بشرعية داخلية وشرعية عالمية وتبدي رجاحة عقل. أما القيادة الحالية فليست كذلك. هي تقسم الإسرائيليين، وتدفع الأميركيين بعيدا، وتثير حفيظة الفلسطينيين كما تتحدى أمم العالم.

بشكل منهجي وثابت، هي تمس بالحصانة الوطنية وتعرض الأمن القومي للخطر. وتمضي في ذلك بحيث أنه، من أجل النجاة في الحرب الطويلة، والانتصار في الحرب الطويلة، يجب حدوث تحول في البلاد. هناك شرط لازم للنصر وهو تغيير الحكومة.

مشكلة: الطريق الى التحول تمر بالانتخابات، انتخابات موضوعها هو الأيدي الملطخة بالدّم، انتخابات ستكون مفعمة بالتحريض، والكراهية والعنف. على مدى أشهر، ستحلّ عاصفة في ملايين الشوارع. والدولة ستكون كالمرجل، والحكم سيصاب بالشلل. كما أن الاعتبارات التي ستوجه القادة ستكون اعتبارات حزبية صرف.

في غضون ذلك لن تتوقف النار. ستكون نارا صاروخية في النقب وستكون نارا ثقيلة في الجليل. وفي كل يوم سندفن موتانا. جلبة الحرب التي ستنشأ في إسرائيل ستغري أعداءها مرة أخرى.

وستزداد المسألة حدّة: هل يمكن لإسرائيل حقا أن تدخل في حرب “هاجوج وماجوج” سياسية في حين يربض عند عتباتها خطر حرب “هاجوج وماجوج” حقيقية؟ هل يمكننا أن نخاطر في هذا المجال ونجازف بأن تقع علينا حرب أهلية كارثية مزدوجة ومضاعفة في 2024 بعدما وقعنا في حرب أهلية كارثية في 2023؟

لا يوجد إلّا حل واحد للمشكلة: حكومة موسّعة ونوعية تكون حكومة وحدة حقيقية: بيني غانتس رئيس وزراء بديل؛ غادي آيزنكوت وزير أمن قومي؛ يئير لابيد وزير خارجية؛ افيغدور ليبرمان وزير مالية. تمثيل متساو لكل واحدة من الكتلتين في كل من كابينت الحرب، والكابينت الموسع، والحكومة وفي المواقع الأساسية في الكنيست. بالإضافة إلى ذلك، إلغاء الوزارات السبع الزائدة وتعيين وزراء جدد ومناسبين، يرافقهم مدراء عامون مهنيون ومتفوقون. وباختصار: انتقال سريع الى حكم آخر والى واقع سياسي جديد. خطوة طوارئ تنتج حكومة طوارئ لعموم إسرائيل قادرة على أن تدير معركة جسيمة.

لن يستطيب بنيامين نتنياهو الاقتراح الجديد، الذي سيبعد عنه المتطرفين الذين على بنى حكمه على أساس وجودهم. لكن، إذا كان زعماء أحزاب الوسط كلهم سيتكتلون حول مخطط الوحدة الجوهرية – سيكون ذلك احتمالا جيدا لأن يتبناه الكثير من الحريديم (المتدينين) ومن رجال “الليكود” الشرفاء. هكذا، فان الخسارة ستتحول نصر.

إما ان نحظى على الفور بحكومة أخرى أو أن غضب معظم الإسرائيليين سيقصفون حكم المتزمتين حتى يسحقوه. مهما يكن من أمر، سيكون ممكنا الخروج أخيرا من دوامة الجنون السياسي الى سلوك مسؤول يتناسب مع حرب طويلة.

والمطروح على المحك هنا ليس أقلّ من وجود الدولة.

Exit mobile version